للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

أنهم صبغوا العالم الإسلامى بالصبغة الفارسية. فالحقيقة أن أسرة الخلافة بقيت عربية. وليس ذلك فحسب، بل ظل ولاة الأقاليم وقواد الجيش يختارون من العرب مدة تقرب من قرن. ومن جهة أخرى فإن من الحقائق الثابتة أن صبغ الإسلام بالصبغة الدولية -أى كون العرب لم يعودوا هم العنصر الفعال وحدهم فى تنظيم الدولة وترقية المدنية- كان قد بدأ قبل ذلك، ولو على الأقل فى صورة نظرية، عندما سوت إصلاحات عمر بن عبد العزيز بين العرب والموالى. ثم إن دخول هذه العناصر المتباينة فى الإسلام جعل لها نصيبًا فى تكوين المدنية الإسلامية التى يحق لنا أن نعتبرها عربية، وإن تكن الأبحاث التحليلية فى الخمسين سنة الماضية قد أثبتت أن معظم العوامل التى كونتها أجنبية. ذلك أن اللغة العربية ظلت تصبغ هذه المدنية بصبغة واحدة. وليس هذا فحسب بل إن العناصر المكونة لها امتزج بعضها ببعض تحت التأثير العربى، ولاشك أن الفضل فى طبع هذه المدنية المكونة من عناصر متنوعة بالطابع العربى يرجع إلى الأمويين.

ومن أسف أننا الآن لا نستطيع أن نتعرف بالتفصيل العوامل الأولى التى غرست البذور التى لم نر ثمراتها إلا فى عهد العباسيين.

على أننا نلاحظ أن المدنية الإسلامية بلغت أوج ازدهارها فى النصف الثانى من القرن الثانى، لا فى الدين وحده بل فى العلوم والفنون، وهذا يدل دلالة واضحة على أن انتقال العرب إلى المدنية لم يكن موقوتًا بمجئ بنى العباس، بل إنه بدأ قبل ذلك.

والذى يبهر الإنسان فى مدينة العصر الأموى وجود العالمين القديم والجديد جنبًا إلى جنب على نحو ما نلاحظه دائمًا فى عصور الانتقال: فكانت العقلية العربية وعادات العرب وشعر الفرزدق وجرير والأخطل لا تزال باقية مقبولة عند الناس، وعندما بدأت عناية أهل الحديث والمؤرخين واللغويين تتجه إلى الآثار الأدبية التى أوحت بها الصحراء والتى عرفوها من شواهد جليلة لعصر قد انقضى؛ بل إن النظام الإدارى الذى جرى عليه العباسيون هو فى جوهره نظام الأمويين الذى أنشأوه