للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

والنزاع الكثير بين الأيوبيين أنفسهم وانقسامهم إلى أسر متميزة ينبغي ألا يضللنا عن تلك الحقيقة الواقعة، وهي أن الأيوبيين كانوا في جملتهم ظاهرة مهمة، فقد جمعوا شتات مملكة الفاطميين المبعثرة وضموا إليها دويلات أتابكة الشام، ثم جعلوا من ذلك كله قوة واحدة مركزة استطاعوا أن يقفوا بها أمام الصليبيين، وأنجبت تلك الأسرة عددا من الشخصيات القوية، فصلاح الدين أمره معروف، وكان العادل والكامل أيضًا حاكمين عظيمين، وكان الأيوبيون لا يقلون عن الصليبيين في الفضائل الحربية إن لم يفوقوهم فيها، حتى لقب كثير من أمرائهم بالفرسان، وقد تركت لنا المؤلفات التي تحدثت عن مناصب ذلك العهد معلومات قيمة عن نشاطهم الإدارى: كانوا يعنون بالزراعة وما يتصل بها من وسائل الري، واهتموا كذلك اهتماما كبيرا بالتجارة، وتم في عهدهم عقد كثير من المعاهدات بينهم وبين ممالك أوروبية، وما زال بعضها محفوظا إلى الآن.

وكانت القوة الحربية في المملكة تقوم على الحرس المماليك والنظام الإقطاعى الذي كان -على عكس نظام أوروبا- قائما على إقطاع أرض مع خراجها. وازدادت شوكة الذين كانوا يُشترون لأغراض حربية، وهم المماليك، حتى أصبحوا يتحكمون في ضعاف الأمراء.

وامتاز عهد الأيوبيين أيضًا بأنه كان مرحلة جديدة للثقافة، فقد كانوا في مصر يمثلون رد الفعل الدينى الذي أحدثه السلاجقة وانبعاث آثار الشرق الغابر التي بدت في ظهور فن جديد للعمارة، وفي تغيير عادات القصر والألقاب وفيما دخل على نظام الإقطاع على وضعه التركى من تطور. ولهذه الثقافة أهمية عظمى، فقد تأثر بها غربي أوروبا بوساطة الصليبيين، ونستطيع أن نتلمس كثيرا من العادات والقواعد الخاصة بنظام الفروسية في أوروبا والتي يمكن أن ترد إلى النظام الأيوبى.

وواصل المماليك السير على تقاليد الأيوبيين واحتفظوا حتى بألقابهم ولم يغيروا في أول الأمر شيئًا من ثقافة أسلافهم.