للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وثمة دليل آخر هو أن النسخة المختصرة كتبت باللهجة الدارجة بينما النص المسهب للنسخة المطولة الموجود بمخطوط بلندن مصقول مهذب (انظر مقال فولرز Vollers المستفيض فى Revue d'Egypte , جـ ٣، ص ٥٥١). زد على ذلك أن وصف الحوادث التى وقعت بين عامى ٩٢٢ و ٩٢٨ هـ أكثر إسهابا منه فى أجزاء الكتاب المتقدمة، وقد يكون هذا الوصف المسهب جزءا من النسخة المطولة إذا كان ابن إياس هو الذى ألفه حقيقة.

ومن العجيب أن الكلام عن حكم السلطان الغورى من ٩٠٦ - ٩١٢ هـ (مخطوط باريس) ومن ٩١٣ - ٩٢١ هـ (مخطوط بتروغراد) (١). لا يوجد فى النسخ الأخرى (ومن ثم لم يثبت فى طبعة القاهرة). وهذا ما دفع فولرز - Vol

lers فى مقاله المشار إليه آنفا إلى استنتاج أن هذا الجزء من التاريخ لم يكن لابن إياس، ولكن من المحقق أن هذا الجزء بالذات من نتاج قلم هذا المؤرخ،


(١) ظهر إلى الضياء فى مجلد ضخم، تولت نشره جمعية المستشرقين الألمانية - Deutsche Mor genlaendische Gesellschaft وعنى باخراجه الأستاذ باول كاله Paul Kahle الأستاذ بجامعة بون، بمعاونة الأستاذ محمد مصطفى مدرس العربية بها، والأستاذ سوبرنهايم، فى مجلد فى خمسمائة صفحة من القطع الكبير (استانبول سنة ١٩٣١). وصدره الأستاذ كاله بمقدمة بالألمانية قارن فيها النصوص المختلفة التى وصلتنا من مؤلف ابن إياس.
يتناول ابن اياس فى هذا المجلد عصر السلطان الغورى منذ بدايته، باسهاب وافاضة، ويدون حوادثه شهرا فشهرا، ويوما فيوما تقريبا، ويتحدث عن كل ما يتعلق بالسياسة والحرب والبلاط والحكومة والأمن والقضاء والوظائف والشئون المالية والاقتصادية، ويتتبع بالأخص علائق البلاط القاهرى بالبلاط العثمانى. ويبدو جليا من روايته أن بلاط القاهرة، كان يشعر بأن خطر الفتح التركى لمصر غدا قريب الانقضاض. ويصانع بلاط قسطنطينية ما استطاع سبيلا إلى ذلك (ص ٢٨٩) وكان سلطان الترك سليم الأول من جانبه يخادع سلطان مصر ويهاديه ويراسله (ص ٢٠٠ و ٣٨٤) على أن بلاط القاهرة لم يخدع ولم يطمئن. بل كان الغورى دائب الاهبة والاستعداد, ولكن الانحلال كان يسود شئون مصر يومئذ، وكانت الثورات الداخلية تفت فى نظمها وأهبتها، وكان الفساد يقضم أسس نظمها العامة سواء فى الادارة أو القضاء (ص ٢٤٩، ٢٥٦، ٢٥٧, ٢٦٤). ويتحدث ابن إياس عن مقدمات الفتح، ويذكر كيف أن أميرا مصريا نقم على السلطان وفر إلى القسطنطينية ونقل إلى سليم الأول أخبار مصر وأحوالها. وأطلعه على قواتها واأسرار دفاعها، وحدثه عما يسودها من الاضطراب والضعف. ثم يقول: فعندئد طمعت آمال ابن عثمان أن يملك مصر، والله تعالى غالب على أمره" مما يدل بان المجتمع القاهرى كان يشعر بدنو النكبة وانقضاضها (ص ٤٧١, ٤٧٣).
محمد عبد الله عنان