للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المعتز هذا الرجاء وقدم له من الهدايا ما حمل على "عشر من البرد" كما قال في قصيدته رقم ٥٩٥ (صفحة ١٥٣٤ - ١٥٣٨)، ثم زار موطنه الشام مرة أخرى خلال عام ٢٥٦ هـ وهناك قال قصيدته ٥٩٣ (الديوان ١٥٢٩) التي هجا بها أحمد بن طولون إرضاء لأحمد بن المدبر أخي إبراهيم بن المدبر ممدوحيه - ولكنه في عهد المعتمد، وبخاصة خلال تولى أبي الصقر إسماعيل بن بلبل وزير المعتمد، نراه يشتد به الضيق، ويستولى عليه السام من حياته في بغداد، ونحس من خلال إلحاحه على هذا الوزير بأن يسمح له بالرحيل إلى وطنه أنه كان كالمقيد في حريته، المحددة إقامته، فيقول له في البيت الأخير من القصيدة ٣٦٢ (صفحة ٩٨٦):

وأعتقت الرقاب، فمر بعتقى ... إلى بلدى، وأنت به جدير!

ويخاطبه أيضًا في البيت الأخير من القصيدة ٣٦١ (صفحة ٩١٢) بقوله:

وسواى الغداة تحدى مطايا ... هـ إلى منبج، وترحل عيره

كل هذا يتردد في أعماق نفس الشاعر في زمن استطعنا تحديده بعام ٢٦٩ هـ وكان أحمد بن طولون في ذلك الوقت في الشام حيث دخلت في حوزته سنة ٢٦٤ بلاد الشام والثغور واتسع ملكه حتى انتهى إلى الفرات، واقتصرت مملكة بنى العباس على العراق والجزيرة الفراتية حتى أنه أغرى الخليفة المعتمد بأن يهرب من سيطرة أخيه الموفق ويذهب إليه، وهم بالفعل، ولكنه أعيد إلى بغداد. في ذلك الحين كتب البحترى قصيدة إلى أحمد ابن طولون تفيض بالحسرة والندم على هجرته عن وطنه (القصيدة ٣٩ البائية صفحة) وفيها يقول:

فأصبحت في بغداد، لا الظل واسع ... ولا العيش غض في غضارته رطب

أأمدح عمال الطساسيج راغبا ... إليهم، ولى بالشام مستمتع رغب

وظلت سنتا ٢٦٩, ٢٧٠ سنتى الحنين وتحين الفرصة للانطلاق من هذا العذاب النفسى، ثم نراه متجهًا نحو إيوان كسرى - وهو على مسافة ٣٠