للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

(نوفمبر ٨٠٥) عن سبعين عاما، وتوفى الفضل في المحرم سنة ١٩٣ (نوفمبر سنة ٨٠٨ م) بالغا من العمر خمسة وأربعين عاما.

وهذه النكبة التي حلت بالبرامكة فاجأت معاصريهم فلم يستطيعوا أن يجدوا لها تفسيرا مقنعا، فابتدعوا أسبابا خرافية مثل قصة العبّاسة التي ظلت مدة طويلة تعلو على جميع الأسباب. وقد ظل الأصل في سقوطهم خفيًّا في بعضه على المؤرخين المحدثين، ولكن من العسير أن يقال إنه كان نتيجة لنزوة أصابت الخليفة فجأة. وحتى إذا كان هذا السقوط "قد دبر من قبل" كما قال بارتولد، فإنه يكون قد دبر قبل سقوطهم بوقت طويل، دبره خليفة فرض عليه أن يحتمل وصاية وزرائه في ضيق متزايد، خليفه اتهمهم في بعض الأوقات بالجرى على سياسة تناقض مصالحه هو.

ولم تكن وزارة البرامكة حقا هي عهد الوئام الكامل كما صورتها القصص بعد ذلك. إذ بالرغم مما قيل في هذا الموضوع فإن أسباب الخلاف كانت قائمة بين الخليفة ومؤدبه السابق الذي لم تكن يده قط مطلقة كل الإطلاق في الحكم. ذلك أنه لم يكن في السنوات الأولى مضطرًا، كما قال بارتولد من قبل، إلى الرجوع إلى الخيزران فحسب، وقد كانت تنصره دائمًا وهي بقيد الحياة، بل كان أيضًا مضطرا في كثير من الأحيان إلى الانصياع إلى رغبات الخليفة والالتجاء إلى تلك البراعة التي اشتهر بها كثيرا. بل إنه كان في بعض الأحيان لا ينجح في فرض آرائه. ثم إن الرجل الذي أقيم على خراسان خلفا للفضل سنة ١٨٠ هـ (٧٩٦) قد ولى على غير ما نصح. وكان الفضل يجد نفسه في أحيان أخرى مضطرا لأن يتذرع بحجج يأخذ فيها بأوساط الأمور إلى حد كبير. ومن ثم نجده يسرع بالخروج من بغداد إلى الرقة سنة ١٨٣ هـ (٧٩٩ م) ليصرف النظر عن غضب الخليفة على الفضل ولا يفلح في ذلك إلا على حساب إنكار مسلك ابنه. وقد حدث في وقت متقدم عن ذلك كثيرا أن كان للدسائس شأن في إضعاف مركزه، فقد كان الخليفة عند وفاة أمه متطلعا إلى إسباغ آيات الشرف على رجل حاشيته المصقول