للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقد كانت الأحاديث التي رواها الزهري أساسًا للكتب المؤلفة في المغازي، وجمعها ثلاثة من كتاب الجيل التالي، إلا أن اثنين من هذه الكتب فقدا كما فقد كتابان آخران غيرهما وإنما بقيت من هذه الكتب أجزاء متفرقة. أما الكتاب الثالث وهو السيرة المشهورة التي ألفها محمد بن إسحاق ابن يسار المتوفى سنة ١٥١ هـ (٧٦٨ م) فقد كان ثمرة تفكير أبعد أفقًا وأوسع نطاقًا من تفكير سابقيه ومعاصريه، لأنه نزع فيه لا إلى تدوين تاريخ النبي فحسب بل إلى تاريخ النبوة بذاتها أيضًا. وكان في هذا الأسلوب المبتكر يشمل أقسامًا ثلاثة: "المبتدأ" وهو تاريخ العصر الجاهلى منذ الخليقة، وقد استمد أكثره من وهب بن منبه ومن المصادر العبرية، ثم "المبعث " وهو تاريخ حياة النبي حتى السنة الأولى للهجرة، ثم "المغازي" وتناول هذا التاريخ إلى وفاة النبي. وقد غدا هذا الكتاب المرجع الرئيسى لتاريخ العصر الجاهلى والصدر الأول من الإسلام وذلك على الرغم من أنه كان هدفا للنقد الصارم بما تطرق إليه من الأحاديث والمقتبسات الشعرية التي لا وزن لها. وقد عرف أن هناك أحاديث دخل عليها -كما هو معروف- بعض التحوير، غير أنه مما يدعو إلى الأسف أن ما اعتمد عليه منها الجامعون المتأخرون من العراقيين كان خير ما فيها بلا ارتياب (انظر الخطيب البغدادي) وقد تناولته يد الضياع فتمهدت السبل بذلك إلى ظهور موجز مشوه بعض التشويه جمعه المصنف المصري عبد الملك بن هشام المتوفى سنة ٢١٨ هـ (٨٣٣ م). ومما هو جدير بالذكر أن جميع المؤلفين في المغازي كانوا من "الموالى" وإن يكن هذا التعبير لايستتبع حتمًا حتى في ذلك العهد رجوعه إلى أصل غير عربي. فقد كان ابن إسحاق عراقى الأصل حقًّا لأن جده يسارًا أسر في العراق سنة ١٢ هـ (٦٣٣ م) ولكن مما يتناقى مع الصواب أن نطلب في النزعة الفكرية التي بعثت ابن إسحاق على وضع مصنفه مؤثرات فارسية حتى ولو جاءت عن طريق غير مباشر، إذ أن الصلات بين تلك النزعة والاتجاه الذي اتجه إليه وهب بن منبه من جهة ثم بينها ومذهب أهل الحديث المدنيين من جهة أخرى تثبت أن تلك