للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بل هو على الأخص مستمد من مصادر أخرى وروايات منقولة عن أهل المدينة. ويلاحظ ذلك المزج الخالى من النقد بين السير الخرافية وبين روايات صحيحة نوعًا ما في تأريخ الأندلس المنسوب إلى عبد الملك بن حبيب المتوفى سنة ٢٣٨ هـ (٨٥٣) وفي الكتاب الجامع لآثار اليمن الموسوم بالإكليل للهمدانى المتوفى سنة ٣٣٤ هـ (٩٤٥ - ٩٤٦ م). وربما كانت التواريخ المحلية التي ألفت عن بعض المدن خلال القرن الثالث أكثر اتزانًا ودقة، ولم يبق منها سوى مجلد واحد في تأريخ بغداد (انظر ابن أبي طاهر طيفور). وفي القرون التالية ظهر عدد كبير من هذه التواريخ، وكانت تتجه عادة وجهتين تبعًا لاهتمام المؤلف، فإما إلى السير وإما إلى الحوادث التأريخية (انظر فقرة ٤ في أسفلها). والمصنفات التي وصلت إلينا من هذا النوع الأخير لا تخلو دوامًا من العناصر الخيالية، غير أن فيها كثيرًا من المواد القيمة التي استبعدت من التواريخ الجامعة، ومن هنا نشأت أهميتها الكبيرة (انظر على سبيل المثال: النرشخى، وابن القوطية، وعمارة، وابن إسفنديار). ولما كانت هذه التواريخ في جملتها تتمشى من حيث الإنشاء وطريقة الأداء مع ما هو مألوف في الإقليم الذي تتحدث عنه وفي الزمان الذي كتبت فيه فإنه ينبغي لنا ألا نتناولها بأكثر من ذلك في هذا المقام، وحسبنا أن ننوه بأنها تؤلف قسمًا هامًا من أقسام التأريخ الإسلامي سواء أكان مكتوبًا بالعربية أم بالفارسية.

٢ - على أنه من المتعذر أن نميز بين التأريخ العام والتاريخ الإقليمى بعد منتصف القرن الرابع. ومن ثم كانت الصفة الغالبة على التصنيف التأريخى البحت هي كتابة الحوليات المعاصرة مع التقديم لها في الغالب بموجز في التأريخ العام. ولم يصبح في وسع مؤلف هذه الحوليات أن يجعل أغراضه ورواياته عالمية، فكل مؤلف مقيد بحدود النظام السياسي الذي يعيش في كنفه، ويندر أن يوفق إلى معالجة حوادث تجرى في أقاليم بعيدة عنه، ولكن إلى أي حد يمكننا أن نعتبر هذا التقييد مقابلًا في الحياة العقلية لفقدان الموحدة السياسية عند المسلمين؟ الحق إنها مسألة ما زالت مثارا للجدل. إلا أن هناك