للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فقد وجب أن كل ما في العالم مما قد رتبه الله على ما هو عليه من فصوله الذاتية وأنواعه وأجناسه، فلا يتبدل شيء منه قطعيًا إلا حيث قام البرهان على تبدله، وليس ذلك إلا على أحد وجهين: إما استحالة معهودة جارية على رتبة واحدة، وعلى ما بنى الله تعالى عليه العالم من استحالة المني حيوانا والنوى والبذور شجرة ونباتا وسائر الاستحالات والمعهودات.

وإما استحالة لم تعهد قط، ولا بنى الله تعالى العالم عليها، وذلك قد صح للأنبياء عليهم السلام شواهد لهم على صحة نبوتهم ووجود ذلك بالمشاهدة ممن شهدهم ونقله إلى من لم يشاهدهم بالتواتر الموجب للعلم الضرورى، فوجب الإقرار بذلك وبقى ما عدا أمر الأنبياء عليهم السلام على الامتناع فلا يجوز ذلك البتة لا من ساحر، ولا من صالح بوجه من الوجوه. لأنه لم يقم برهان بوجود ذلك ولا صح به نقل، وهو ممتنع في العقل ولا فرق بين من ادعى شيئًا مما ذكرنا لفاضل وبين دعوى الرافضة رد الشمس على عليّ ابن أبي طالب مرتين، وكذلك دعوى النصارى لرهبانهم وقدمائهم، فإنهم يدعون لهم من قلب الأعيان أضعاف ما يدعيه هؤلاء، وكذلك دعوى اليهود لأحبارهم أن رجلا منهم رحل من بغداد إلى قرطبة في يوم واحد، وأنه ثبت قرنين في رأس رجل مسلم من بنى الإسكندرانى كان يسكن بقرطبة عند باب اليهود، وهذا كله باطل ممنوع.

وقال ابن حزم أيضًا: وكذلك ما ذكر عمن ليس نبيا من قلب عين أو إحالة طبيعة فهو كذب إلا ما وجد من ذلك في عصر نبي، فإنه آية كذلك لذلك النبي.

وذلك الذي ظهرت عليه آية بمنزلة الجذع الذي ظهر فيه الجنين، والذراع الذي ظهر فيه النطق والعصا التي ظهرت فيها الحياة وسواء كان الذي ظهرت فيه الآية صالحا أو فاسقا.

فلو جاز ذلك بعد موت النبي لأشكل الأمر ولم تكن في أمن في دعوى من ادعى أنها آية لذلك الفاضل، ولذلك الفاسق. والإنسان من الناس يدعيها آيه له ... وليس كذلك ما كان في عصر النبي لأنه لا يكون إلا من قبل النبي