للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

القول في القرآن على نحو ما يروى عن رجال من الصدر الأول ومن تلاهم، والمنقول في ذلك غير قليل، وحسبك أن مالك بن أنس، وهو الَّذي يذكر أصحاب المبادئ أنَّه واضع التفسير - بمعنى مدونه - يروى هو نفسه أن سعيد بن المسيب كان إذا سئل عن تفسير آية من القرآن قال: إنا لا نقول في القرآن شيئًا (١) .. وأما الطرف الثاني المقابل فهو الَّذي تلمحه من عبارة الراغب السابقة، وهو إجازة الخوض في القرآن لكل أحد، والغزالى، الإحياء (٢) .. بعد الإحتجاج والإستدلال على بطلان القول بألا يتكلم أحد في القرآن إلا بما يسمعه بقول: فبطل أن يشترط السماع في التأويل، وجاز لكل واحد أن يستنبط من القرآن بقدر فهمه وحد عقله، كما قال قبل ذلك ... "إن في فهم معاني القرآن مجالًا رحبًا ومتسعًا بالغًا، وأن المنقول من ظاهر التفسير ليس منتهى الإدراك فيه " .. هما طرفًا نقيض -كما يقال وتستطيع أن تلمح بينهما إنتقالات تدريجية متعددة، فبعد التحرج، أمكن الوقوف عند المنقول، وكان ذلك المنقول قليلا ثم كثر النقل واتسع، حتَّى إستفاض وشمل ما ليس موثوقًا به، ثم داخلت النقل محاولات فهم شخصى تقبلوا منها لا ما يرجع إلى اللغة وحدود دلالة الكلمات.، ثم ظلت محاولات الفهم الشخصى تزداد وتتأثر بالمعارف المختلفة حتَّى كان من كتب التفسير ما يجمع أشياء كثيرة طويلة لا حاجة بها في علم التفسير كالذي فعله الرازي في تفسيره حتَّى قال عنه بعض المتطرفين من العلماء: فيه كل شيء إلا التفسير (٣) وإذا كان الراغب الإصفهانى في أوائل القرن الخامس الميلادي يرى خوض كل أحد في القرآن يعرضه للتخليط، فهذا أبو حيان في القرن الثامن الميلادي يقول إن ما ذكره الوازى وغيره في التفسير يشبه علمه، بينا هو في عمل النحوي يبحث في الألف المنقلبة، إذا هو يتكلم في الجنّة والنار، ثم يقول: "ومن هذا سبيله في العلم فهو من التخليط والتخبيط في أقصى الدرجة (٤) .. وقد اختلف حظ المفسرين


(١) أصول التفسير لابن تيمية ص ٣١.
(٢) أبو حيان: البحر المحيط ١: ٣٤١
(٣) ١: ٢٦١ ط الحلبى.
(٤) أبو حيان، الموضع السابق.