للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

روح الله روحه - من صلة بين التفسير وعلم الاجتماع: فقد ذكر (١) بيان علم أحوال البشر مما لا يتم التفسير إلا به، وأنه لا بد للناظر في الكتاب من النظر في أحوال البشر في أطوارهم وأدوارهم، ومناشئ اختلاف أحوالهم من قوة وضعف، وعز وذل، وعلم وجهل، وإيمان وكفر" .. وهذا هو ما جعلنا نفهم من قوله أنَّه يريد علم الاجتماع؛ وإن لم يسمه .. ولكنه عقب على ذلك بقوله .. "ومن العلم بأحوال العالم الكبير، علويه وسفليه، ويحتاج في هذا إلى فنون كثيرة، من أهمها التاريخ بأنواعه". وعلى كل حال فنحن إنما أعنينا بما يقوم به الفهم الأدبى للقرآن، وهو الفهم الَّذي يتقدم كل استفاده منه .. ثم تتلوه بعد ذلك المطالب الأخرى من هداية الخلق، أو إصلاح حالهم أو التشريع لهم .. فكل هذا يجب أن يقوم على أساس وطيد من الدرس الأدبى الَّذي أسلفنا وصفه العام، فيتصل بالخبرة النفسية كما ذكرنا، وقد تتصل المطالب الأخرى بعد ذلك بعلم الاجتماع أو غيره.

...

وبعد فقد وصفت الَّذي وصفته من منهج التفسير الأدبى ومطالبه الجليلة، وأنا ذاكر مالا أنساه أبدًا كلما شرحت المنهج الدقيق لدراسة أدبية أو غيرها، فأقول للمستكثرين: مهما يكن لهذه المطالب من أثر يثقل خطانا ويؤخر أثمار دراستنا، ويشعرنا بالنقص، ويعود علينا باللائمة فإن هذه هي الحقيقة، وهذا هو الواجب، وأولى لنا أن نؤثر تقرير هذه الحقيقة على أن نكذب على أنفسنا وعلى الأجيال. فنزعم الكفاية الكاملة والقدرة الموفورة. ولئن لم يكن لنا من الكمال إلا الشعور بالنقص فذلك أجمل بنا من التزيد الزائف .. وليس الَّذي نبغيه من هذا المنهج مستحيلًا ولا بعيد التحقق؛ فقد شعر أسلافنا بجملته، وقاموا ببعضه للقرآن، ثم قام المحدثون به كله لكتبهم الأدبية والدينية، ولن نكون نحن بين هؤلاء وأولئك الضائعين العاجزين! !

وأخيرًا ... هذا المقال - في أكثره - إنجاز مركز، وإجمال لامح، يغرى ذوي الشأن في التفسير بآفاق فسيحة من الدرس والبحث. وما على إذا لم يجد كل قارئ فيه حاجته" .. ليس هنا مجال الاستيفاء.

أمين الخولى


(١) مقدمة تفسير الفاتحة ص ١٦.