للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الكلام في الإمامة لما ظهر حينئذ من بدعة الإمامية من قولهم إنها من عقائد الإيمان" (١).

وفي مكانة الأشعرى وأثره في هذا العلم يقول أيضًا الحافظ بن عساكر الدمشقي المتوفى عام ٥٧١ هـ: إنه في ذلك العصر قام سوق البدع، وحاد أهل الاعتزال عن سنن الاعتدال فنفوا عن الرب سبحانه ما أثبته من صفاته، وتمادى أهل التشبيه حتى توهموا ربهم جسمًا يقبل تميزًا وافتراقًا وانضمامًا. حتى جاء أبو الحسن الأشعرى فكان لديد الخصام لمن حاول الإلحاد في أسماء الله وصفاته، وألزم الحجة لمن خالف السنة، فلم يسرف في التعطيل ولم يغل في التشبيه وكان بين ذلك قوامًا (٢).

وقد ظهر توسط الأشعرى وكبار النظار الذين نصروا رأيه من بعده وسموه مذهب أهل السنة والجماعة، في مسائل كثيرة نذكر منها ثلاثًا هي في رأينا أهمها. هذه المسائل هي: مسألة الصفات، ومسألة الكلام وما يتبعها من أن القرآن مخلوق أو غير مخلوق، ومسألة رؤيته تعالى.

ففي مشكلة الصفات وجد الأشاعرة أن المشبهة والمجسمة ألغوا عقولهم بحجة التمسك بالظاهر فأضافوا لله ما لا يرتضيه عاقل من الصفات التي تدل على أن له تعالى جهة ومكانًا وأجزاء ونحو هذا، وأن المعتزلة غلوا في الطرف الآخر فنفوا عن الله كل صفة فوقعوا في التعطيل، وأن الحق التوسط في الأمر فأضافوا له صفات العلم والقدرة ونحوهما مما لا يوهم التجسيم والتشبيه، وبذلكُ كانوا بحق وسطًا بين طرفى الإفراط والتفريط.

وكذلك في مشكلة الكلام: أحادث هو أم قديم، والقرآن: أمخلوق هو أم غير مخلوق، رأوا- في الأشاعرة- الحنابلة والحشوية يذهبون إلى أن الأصوات والحروف مع تواليها وترتب بعضها على بعض كانت ثابتة في الأزل قائمة بذاته تعالى، وإلى أن المسموع من أصوات القراء والمرئى من أسطر الكتاب


(١) المقدمة ص ٣٦٨.
(٢) تعيين كذب المفترى، نشر المقدسي بدمشق عام ١٣٤٧ هـ، ص ٢٥ - ٢٦