للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

بيانه عنهم (١)، فجاء الأشاعرة وذهبوا إلى جواز الرؤية بالأبصار في الدنيا ووقوعها في الآخرة من غير أن تستلزم أن يكون المرئى في مكان وجهة ودون ارتسام سورة المرئى في العين ونحو هذا مما يوهم التشبيه (٢). بذلك كان الأشاعرة وسطًا في هذه المسألة كما في سابقتيها، إذ لم يذهبوا إلى ما رآه المعتزلة من نفيها مطلقًا، ولا إلى ما رآه الحنابلة من جوازها- بل ووقوعها- بما تستلزمه من الجهة والمكان والمقابلة كما في الحوادث.

وإذا جاز لنا أن نبحث هنا مدى نجاح الأشاعرة في محاولاتهم التي ذكرنا بعض الشيء عنها في التوفيق بين بعض الآراء والمذاهب المتعارضة، نقول إنهم في مسألة الصفات لم يوفقوا فيما نرى. إنه ليس هناك من الأدلة القطعية ما يثبت أن لله صفات غير الذات، وكل ما في الكلام أنه متكلم وقادر وعالم إلخ فلو وقفوا عند هذا ولم يحاولوا إثبات صفات زائدة على الذات، لما لزمهم القول بتعدد القدماء لزومًا لم يستطيعوا الفرار منه ولا الدفاع عنه.

وفي مسألة كلام الله وقدمه كان التوفيق فيما نرى حليفهم. لقد فرقوا بين الكلام المتلفظ به الذي نقرؤه - وهو حادث- وبين الكلام النفسى القائم بذاته تعالى وهو القديم، وبهذا حكموا اللغة والنقل والعقل وخلصوا من شنعة القول بخلق القرآن أو بقدم كل ما يتصل به حتى الجلدة والغلاف.

وكذلك كانوا موفقين في مشكلة رؤيته تعالى. إنهم بعد أن نزهوا الله عما يوهم التشبيه والتجسيم اللذين وقع فيهما المشبهة والمجسمة، وجدوا من الآيات والأحاديث ما يجيز رؤيتنا لنّه تعالى، فأثبتوها بلا كيف ولا انحصار ولا جهة ولا مكان ولا غير ذلك مما يكون عادة في رؤية الحوادث، وهذا ما لا يحيله العقل السليم.

بعد هذا نذكر كلمة عن الخوارج والمرجئة والشيعة، حتى نخلص من التعريف بالفرق الأصول كلها كما وعدنا أول البحث.


(١) وينظر أيضًا المواقف ص ٣٠٧ وما بعدما.
(٢) المواقف جـ ٢٩٩ وما بعدها والمقاصد جـ ٢ ص ٨٣ وما بعدها.