للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

٤ - ظهر الخوارج إثر فتنة على ومعاوية رضي الله عنهما، وتاريخهم كحزب سياسى كان له آثار لها خطرها في الدولة الإسلامية، كل ذلك معروف فلا حاجة للكلام فيه، إنما الذي يهمنا الآن هو تعرف ما كان لهم من رأى في بعض المسائل الدينية التي جرهم إليها موقفهم السياسي. فقد انتهى تشددهم في الدين إلى أن قرروا أن الإيمان ليس الاعتقاد وحده، بل يدخل فيه العمل بما أنزل الله من أوامر، وإذًا فمن اعتقد بوحدانية الله وبرسالة من أرسل من رسله ولم يعمل بأوامره فهو كافر. وبذلك نرى الخلاف السياسي الذي كان يدور على الخلافة ومن أحق بها، يأخذ طابعًا دينيًّا قويًّا، وتتكون حوله فرق الخوارج والشيعة والمرجئة.

وفرق الخوارج العشرون تختلف فيما بينها في الجزئيات والتفاصيل إلا أنها جميعها تتفق علي أن كل من أتى من المسلمين ذنبا فهو كافر (١)؛ لأن الإيمان اعتقاد وعمل، وهذا ما اشتهر بين علماء الكلام بمسألة مرتكب الكبيرة وهل هو كافر أو مؤمن أو في منزلة بين المنزلتين، على الخلاف بين الخوارج والمرجئة والمعتزلة. ويذكر ابن حزم أن عمدة مذهب الخوارج هو الكلام في الإيمان والكفر ما هما، والتسمية بهما، والوعد، والإمامة، واختلفوا فيما عدا ذلك كما اختلف غيرهم (٢). وبهذا لا يكون بعيدًا عما ذكر الأسفرايينى في التبصير.

وجملة القول في مرتكب الكبيرة أن الأمة اختلفت في حكمه واسمه على مذاهب لكل أدلته التي استند إليها؛ فقال الأشاعرة إنه مؤمن ورأى الخوارج أنه كافر، وتوسط بينهما المعتزلة فذهبوا إلى أنه لا مؤمن. ولاكافر، بإطلاق بل هو في منزلة بين الإيمان والكفر (٣) ومعلوم أن هذا الخلاف فرع الخلاف في حد الإيمان والكفر.

٥ - وكما كان بحث الخوارج يدور حول الإيمان والكفر، كذلك كان بحث


(١) التبصير ص ٢٦، الملل والنحل للشهرستانى جـ ١ ص ١٥٤ وها بعدها، والمقاصد جـ ٢ ص ١٨٢.
(٢) الفصل جـ ٢ ص ١١٣.
(٣) المقاصد جـ ٢ ص، والمواقف الطبعة السابقة ص ٣٨٤ , وما بعدها.