للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقّره خلفاء القاهرة وبجّله أهل المغرب بأسره، ولكنه اقترف خطأ عظيمًا بإيقاظ الخصومات الدينية القديمة التي كان يتذرع بها سكان شمالي إفريقية للانتقاض على حكامهم المشارقة. واجتمع حوله مالكية القيروان وشرعوا تحت سمعه وبصره يذبحون الشيعة وفقا لخطة مرسومة، فتوجه بولائه إلى العباسيين في بغداد وانتهى به الأمر إلى الجهر بعصيان الفاطميين، وكان ذلك على مراحل استغرقت العهد الذي اختتم بعام ١٠٥٠ م.

وكان انتقام الخليفة الذي انتقض عليه عظيما، وأحس وزير مصر اليازورى أن الاهانة موجهة إليه فأنفذ إلى االقَيل الثائر جماعات من أعراب الهلالية النهّابة، وكانوا يسكنون الصعيد شرقي نهر النيل. وكان عام ١٠٥١ م- الذي بلغ فيه بنو رياح أول العرب الهلالية إفريقية- انقلابًا في تاريخ القطر التونسى. وأسرع المعز إلى تحصين القيروان فلم يجده ذلك نفعًا وهزم عندها مرتين، وفي عام ١٠٥٧ م دهمه البدو ونهبوا أسافل البلاد كلها، فانتقل سرًام إلى المهدية في حراسة أمراء من العرب اضطر إلى الإصهار إليهم وتزويجهم من بناته، وقد أحدث هؤلاء الغزاة، وعدتهم مئات الألوف، انقلابا كبيرًا غير مظهر شمالي إفريقية من حيث الاقتصاد والسياسة والسلالات. فقد رد البربر واستعربت البلاد، وغلبت عليها البداوة. واضطرب الأمن فهلك الزرع وتقوّض سلطان الحكومة المركزية، وسقطت المدن الكبيرة في يد العرب أو استقلت بأمر نفسها يحكمها أمراء من أهل البلاد أو عمال جهروا باستقلالهم بل إن منهم من قدم فروض الولاء إلى بنى حماد أصحاب القلعة طلبا لحمايتهم. وهكذا تأسست دويلة بنى خراسان في تونس وبنى الوَرد في بنزرت وبنى جامع في قابس وبنى الرَنْد في قَفْصة، أما في الوسط فقد عمت الفوضى.

واستطاع بنو زيرى- على الرغم من هذه المصاعب التي لاحصر لها- أن يحتفظوا بالمهدية، ولم يكن في أيديهم إلا الساحل الممتد بين سوسة وقابس. وخلف تميم (١٠٨٣ - ١١٠٨) أباه المعز