للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولكنه من سوء الأدب أن يقال يجب على الله!

كما اتفقا أيضًا فيما جعله المتكلمون "مسألة اللطف". فقد ذهب بشر بن المعتمر رأس الفرقة البشرية إلى أن الله لو شاء لهدى الناس جميعا بان يخلق فيمن يعلم أنه لا يؤمن "لطفا" فيؤمن طوعا (١)، وخالفه سائر المعتزلة في هذا ذاهبين إلى أنه لو كان عند الله هذا اللطف ثم لم يفعله بالكفار لم يكن مريدًا لخيرهم (٢). وذهب الجبائى وابنه إلى أن الله فعل بعباده ما هو أصلح لهم في دينهم، ولو كان في معلوم الله شيء يؤمن به الكفار لو فعله بهم ثم لم يفعله لكان مريدًا لفسادهم، وإذا فلم يدخر الله عن خلقه شيئًا يكون سببا للطاعة والتوبة من الصلاح والأصلح واللطف، لأنه حكيم وجواد لا تنقص خزائنه بالإعطاء (٣).

ومن الممكن بعد هذا أن نذكر بعض ما اختلف فيه الوالد وولده، وأهمه مسألة الصفات.

من المعلوم لمن درس علم الكلام أن أهل السنة والجماعة مجمعون على أن الله تعالى حي بحياة، وقادر بقدرة وعالم بعلم، ومريد بإرادة، وسامع بسمع، وباصر ببصر، ومتكلم بكلام ليس من جنس ما نعهد من أصوات وحروف. وهذه الصفات أجمعوا كذلك على أنها أزلية، وليست عين الذات ولا غيرها. والمعتزلة ذهبوا، فرارًا من القول بتعدد القدماء، إلى نفى جميع الصفات الأزلية، وقالوا إنه عالم بذاته وقادر بذاته وهكذا. ولقريب من هذا أو بمثله ذهب الجبائى، حين قال إن الله عالم وقادر وحى لذاته، أي لا يقتضي الأمر صفة أو حالًا يوجب كونه عالمًا وقادرًا وحيًا (٤).

ورأى أبو هاشم وجاهة ما ألزم به أبوه من أن قوله يئول إلى جعل نفس الله علما وقدرة مثلًا لأن حقيقة العلم ما


(١) الفرق بين الفرق ص ١٤١ ومقالات الإسلاميين ص ٢٤٦.
(٢) نفسه ص ٥٧٤.
(٣) الملل والنحل ج ١، ص ١٠٠ - ١٠١ والمقالات ٢٤٧ - ٢٤٨.
(٤) الملل والنحل ج ١ ص ١٠١، وأصول الدين للبغدادى طبع إسلامبول عام ١٩٢٨، ص ٩٢.