للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

سور حديث يهدم هو الآخر الآن، ولم يبق من القصبة كما كانت عليه في عهدها السابق إلا آثار قليلة (هي غرف ذات أقبية، والباب، وفوارة، والجوسق الذي يسمونه جوسق ضربة المروحة، والمسجد) وكذلك اختفت بطاريات المدافع وهدمت التحصينات التي كانت تواجه البحر. وجددت المدينة نفسها بأكملها تقريبًا، وبنيت على الطراز الحديث، فأنشئت في الجزء الأسفل منها شوارع على نمط الشوارع الأوربية، تقطعها شوارع أخرى تسير في الجزء الأعلى من المدينة، وبذلك زال ما كانت تمتاز به من مظهر فذ لا يشاركها فيه غيرها من المدن. وإذا كان لأعمال التخريب هذه ما يبررها في أوائل أيام الاحتلال حين لم يكن بد من إيجاد ملجأ أمين للسكان الأوربيين داخل أسوار المدينة، فما من شك في أنه ليس ثمت ما يبررها بعد أن امتدت حدود المدينة ناحية الشمال والجنوب. وتسرى مع الأيام روح الحياة الأوربية إلى هذه الأحياء الجديدة، في حين أن المدينة العليا ظلت مركزا للحياة الإسلامية، فالأهلون يزدحمون في شوارعها الضيقة المظلمة، يزاولون صناعاتهم وحرفهم الوطنية الصغيرة. ويظهر أن بعض العقول المستنيرة رأت أن لا بد من المحافظة على هذا الجانب من المدينة وإنقاذه من يد الدمار، وإن كانوا قد وصلوا إلى هذه النتيجة متأخرين، فأنشئت في عام ١٩٠٥ جمعية لهذا الغرض سميت "جمعية الجزائر القديمة" وأخذت على عاتقها البحث عن الآثار الباقية من مدينة الجزائر الإسلامية والمحافظة عليها.

ولم تقنع مدينة الجزائر بأن تكون القصبة السياسية للأقليم، بل أخذت في السنين الأخيرة تحاول جهدها أن تكون مركزا من مراكز الحياة العقلية والعلوم الإسلامية. وقد صدر قانون في ٢٠ ديسمبر سنة ١٨٥٩ يقضى بإنشاء أربع مدارس عليا (للحقوق والطب والعلوم والآداب) تتألف من مجموعها جامعة بحق، وكانت هذه المدارس في عام ١٩٠٤، تضم تسعمائة وستة وعشرين طالبًا ومستمعا، ومع أن مدارس الجزائر يدرس فيها من العلوم العامة ما يدرس في جامعات باريس