للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

بالبدء بالقتال شريطة أن لا يكون ذلك في الأشهر الحرم؛ والنصوص التي أوصت بالبدء بالقتال بإطلاق، في جميع الأوقات وفي جميع الأماكن. وصفوة القول أن هذه الخلافات تنطبق على المراحل التي مر بها تطور فكر النبي [صلى الله عليه وسلم] وتغيير سياسته نتيجة لظروف معينة. فالعهد المكي الذي قصر فيه محمد (صلى الله عليه وسلم) نفسه بصفة عامة على التعاليم الخلقية والدينية، غير العهد المديني الذي استطاع فيه محمد صلى الله عليه وسلم، بعد أن أصبح زعيم جماعة سياسية دينية، أن ينهض فيه بالقتال (١). والمبدأ يقول إن النصوص المتأخرة تنسخ النصوص المتقدمة المتشابهة (نظرية النسخ) إلى حد أن نصوص الفئة الأخيرة هي التي تبقى صحيحة بلا شك، ومن ثم فإن القاعدة يمكن صياغتها بالعبارة الآتية "الجهاد فرض حتى إذا لم يبدأ الكفار بالقتال".

على أنه قد بذلت محاولات، في رأيين قائمين بذاتهما، لتخفيف القاعدة في بعض النواحى؛ ففي رأى منهما ينسب إلى عطاء المتوفى سنة ١١٤ هـ (٧٣٢ - ٧٣٣ م) أن التحريم القديم للقتال في الأشهر الحرم يبقى صحيحًا. على حين يقول الرأى الآخر الذي ينسب إلى سفيان الثوري المولود سنة ٩٧ هـ (٧١٥ م) أن الجهاد فرض في حالة الدفاع دون سواها، وهو "للندب" في حالة الهجوم. وفي رأى قال به علماء الاستشراق أن تصور النبي صلى الله عليه وسلم للجهاد من حيث هو هجوم لا ينطبق إلا على أهل الجزيرة العربية وكان التطبيق العام للجهاد نتيجة لأجماع الأجيال اللاحقة مباشرة، وهذا يتضمن، في الأساس بطبيعة الحال، مسألة هل الإسلام دينًا لكافة البشر؟

ومن الواضح أن الجاحظ قد أخذ برأى الثوري؛ والحركة المارقة، وهي حركة الأحمدية التي بدأت حوالي نهايه القرن التاسع عشر، تذهب إلى أبعد مما ذهب إليه الثوري من حيث أنها تأبى الاعتراف بشرعية الجهاد حتى بصفته نشاطًا ممدوحًا.


(١) قد يشعر هذا الكلام بأن النبي [صلى الله عليه وسلم] قد أتى بالقرآن من عنده، وقد رددنا على هذه الدعوى الباطلة في أكثر من موضوع من الدائرة.
أحمد محمد شاكر