للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

فى المواعظ إلا استشهد فيه بأقوال الحسن. أما أحكامه السياسية على الخلفاء الأولين فليست، على ما هو مألوف، إعلانًا بالولاء لحزب من الأحزاب السياسية, وإنما هى تنبع من مبادئه الدينية. فقد نقد الحسن بلا خوف حكام زمانه ونعنى بهم أمراء العراق. وحيثما أبعد فى النقد فحمل على الحجاج لإقامته مدينة واسط سنة ٨٦ هـ (٧٠٥ م) سخط عليه الحجاج ولم يجد الحسن بدا من الاختباء حتى أدركت المنية هذا الوالى (Schaeder، ص ٥٥ - ٦٣، Ritter، ص ٥٣ - ٥٥). ومع ذلك فإن الحسن لم يرض عن أولئك الذين شاركوا فى محاولات "تغيير المنكر" الإطاحة بالولاة غير الصالحين بالانتقاض عليهم. وحين أمره أتباع الثائر ابن الأشعث بالانضمام إليهم بين لهم الحسن أن جور الطغاة فى أفعالهم هى عقاب أنزله الله ولا يمكن معالجة هذا الجور بالسيف، وإنما يجب احتماله بالصبر (Schaeder ص ٥٦ - ٥٧؛ Ritter، ص ٥١). وقد كان الحسن فى مواعظه يحذر الناس دائما من الانصراف إلى أمور الدنيا والاهتمام بنعيمها، ذلك أنهم سائرون الى الموت وأن الموتى هم السابقون والأحياء هم اللاحقون (Ritter، ص ٢٠) وكان الحسن يرتاب فيمن يستكثرون من المال، وقد رفض خاطبًا لابنته اشتهر بثروته لا لشئ إلا لثروته (Ritter، ص ٢٥)، ولم يطف بذهنه أن يقبل أرضا "مواتا" وزعت بلا مقابل، "ما يسرنى لو أن لى ما بين الجسرين بزنبيل تراب" (Ritter، ص ٢٥ - ٢٦) وكان الحسن يطلق على محب الدنيا الذى يأخذ عقيدته بخفة ويرتكب الإثم دون أن يراجع نفسه "المنافق" وكان يقتصر فى استعمال هذه الصفة على هذا المعنى ومن ثم فإن الحسن يظهر فى مختارات الحكم بأنه النصير الأكبر للمذهب القائل بأن صاحب الكبيرة منافق (Ritter، ص ٤٢ - ٤٤). وهو يتخذ موقف المتشدد فى المعاصى، ويرى أن الآثم مسئول كل المسئولية عن أفعاله، ولا يمكن أن يلتمس العذر لنفسه بأن جميع الأفعال من صنع الله. وهذا هو موقف القدرية.