للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

بعض المفسرين (انظر على وجه المثال: الطبرى، جـ ٣، ص ١٩٣؛ البيضاوى الموضع نفسه) ولا أنها كانت كثيرًا ما تهين النبى [- صلى الله عليه وسلم -] وتعيره بفقره.

ويذهب كثير من محدثى العرب، اعتمادًا على رواية ابن عباس، إلى أن سبب نزول هذه السورة العدائية التى تتنبأ بعذاب أبي لهب هو أن النبى [- صلى الله عليه وسلم -] بعد أن نزلت الآية ٣١٤ من سورة الشعراء {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} نادى وهو على "الصفا" (فى روايات أخرى "منى") قومه بمكة قائلا: "أرأيتكم لو أخبرتكم أن خيلا بسفح هذا الجبل تريد أن تغير عليكم صدقتمونى؟ " قالوا: نعم، قال: "فإنى نذير لكم بين يدى عذاب شديد" فاقترب منه أبو لهب وقال: "تبًا لك! ألهذا دعوتنا؟ " فنزلت سورة المسد "تبت يدا .. ". ولا تختلف رواية ابن إسحاق عن عباد اختلافا كبيرا عن هذه الرواية. ويروى ابن إسحاق رواية أخرى نقلها عنه ابن هشام، هى أن أبا لهب فاه بعبارة فيها احتقار للنبى [- صلى الله عليه وسلم -] فى مناسبة أخرى، وكان ذلك بحضور هند بنت عتبة، جاء فيها من ألفاظ السباب "تبًا". على أنه لا شك فى أن يكون قد سبق ذلك جملة مواقف عدائية أساء فيها أبو لهب إلى النبى [- صلى الله عليه وسلم -] مما جعل محمدًا [- صلى الله عليه وسلم -] يسخط على عمه مثل هذا السخط الشديد الذى لا شفقة فيه، مع أن أبا لهب كثيرا ما وقف فى صف أخيه أبى طالب عندما عادى أبو طالب أهل مكة فى ظرف سابق، وبذلك يكون قد وقف فى صف النبى [- صلى الله عليه وسلم -] بطريق غير مباشر (ابن هشام، ص ٣٤٤) وتعتبر هذه السورة مكية (وتب فعل ماض يدل على المستقبل، انظر شرح البيضاوى على سورة المسد) بل ويعتبرها نولدكه Noldeke من أقدم السور المكية. ولكن نص الآية الثانية {مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ} - شأن القرآن فيما يماثل هذه العبارة- يدل على حدث وقع من قبل (انظر سورة الأعراف آية ٤٦؛ الحجر، آية ٨٤؛ الشعراء، ٧، وفى آيات أخرى) ولو أنه عنى المستقبل لاستعمل "يغنى" كما هو المعتاد دائمًا، أضف إلى ذلك أن استعمال "ما أغنى"