للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الاستعمال الآن (١). ولذلك، فإننا سنحاول أن نقيم تصنيفا ونقرر الموقف الذى عليه تلك القصص التى تسمى الآن حكاية فى القصة العربية أو أدب الترويح.

١ - ويزودنا الجاحظ مرة أخرى بنقطة بداية مناسبة. ففى فقرة مشهورة من كتابه البيان والتبيين (طبعة هارون، جـ ١, ص ٦٩ - ٧٠) يكشف عن أنه كان ثمة مقلدون "حاكيَّة". ولم يكن هؤلاء، فيما يقول، قادرين فحسب على تقديم صورة طبق الأصل من الأساليب المصطنعة والإيماءات والصوت وعادات الكلام عند الجماعات العرقية المختلفة التى تكون منها سكان الإمبراطورية الإسلامية عامة، وسكان قصبة هذه الإمبراطورية خاصة، بل كانوا قادرين أيضا على التقليد الصادق كل الصدق لسلوك أنماط مختلفة من الناس وهيئتهم مثل العميان، ثم هو يقول آخرا إنهم كانوا قادرين على تقليد أصوات الحيوانات المفترسة والأليفة. ويضيف الجاحظ أن هؤلاء المقلدين أوجدوا أنماطا حقيقية أسبغوا عليها جميع السمات المميزة للجماعات التى كانوا يحاكونها. وهذه الموهبة فى التقليد التى تحتاج إلى قوة ملاحظة غير عادية، قد استغلها فى الشرق منذ أمد طويل أرباب السمر محترفين وهواة (انظر J: Horovitz، Spuren Griechischer Mimen in Orient, طبعة برلين سنة ١٩٠٥)، كما نجد مثلا فى كتاب التاج المنحول للجاحظ (ترجمة pellat ص ١٤٩) نادرة مفادها أن رجلا من رجال الحاشية أراد أن يستعيد حظوته لدى ملك من ملوك الفرس بخدعة تقوم على محاكاة أصوات حيوانات مختلفة. وقد لاحظ آدم ميتز من قبل (- ern bag Abulkasim, dader sittenbild. طبعة هيدلبرغ سنة ١٩٠٢، جـ ١٥ - ١٦) أن تكاثر المحاكين، واصطناع لون من ألوان السمر محبب إلى نفوس الملوك قد شجع عليه بلا ريب وجود لهجات عربية يختلف بعضها عن بعض اختلافا كبيرا، والمحاولات المتفاوتة النجاح التى بذلها السكان من غير العرب للتحدث بلغة


(١) استعملت كلمة حكى فى القرنين الثانى والثالث الهجريين بمعنى روى أو قص فقيل حكى عن فلان.