للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

أتقنتك، وإن خرطك العار في سلك الذلة انخرطت وحولك هؤلاء الذين لا يبرحون عنك (١) إنهم لرفقة سوء ولن تكاد تسلم عنهم وسيفتنونك أو تكتنفك عصمة وافرة. وأما هذا الذي أمامك فباهت مهذار يلفق (٢) الباطل تلفيقًا ويختلق الزور اختلاقًا ويأتيك بأنباء ما لم تزوده قد درن (٣) حقها بالباطل وضرب صدقها بالكذب، على أنه هو عينك وطليعك ومن سبيله أن يأتيك بخبر ما غرب عن جنابك وعزب من مقامك وأنك لمبتلى بانتقاد حق ذلك من باطله والتقاط صدقه من زوره واستخلاص صوابه من غواشى خطئه، إذ لابد لك منه فربما أخذ التوفيق بيدك ورفعك عن محيط الضلالة وربما أوقفك التحير، وربما غرك شاهد الزور، وهذا الذي عن يمينك (٤) أهوج، إذا انزعج هائجه لم يقمعه النصح ولم يطأطئه الرفق كأنه نار في حطب، أو سيل في صبب أو قرم مغتلم أو سبع ثائر، وهذا الذي عن يسارك فقذر (٥) شره قرم شبق لا يملأ بطنه إلا التراب، ولا يسد غرثه إلا الرغام، لعقة لحسة طمعة حرصة كأنه خنزير أجيع ثم أرسل في الجلة، ولقد ألصقت يا مسكين بهؤلاء إلصاقا لا يبريك عنهم إلا غربة تأخذك إلى بلاد لم يطأها أمثالهم (٦) وإذ لات حين تلك الغربة ولا محيص لك عنهم فلتطلهم يدك وليغلبهم سلطانك، وإياك أن تقبضهم زمامك أو تسهل لهم قيادك بل استظهر عليهم بحسن الإبالة وسمهم سوم الاعتدال فإنك إن متنت لهم سخرتهم ولم يسخروك، وركبتهم ولم يركبوك، ومن توافق حيلك فيهم أن نتسلط بهذا الشكس الزعر على هذا


(١) أشار به إلى القوى البدائية التي لا تفارق القوة العقلية.
(٢) أشار به إلى قوة التخيل، وأشار بقوله "يلفق الباطل" إلى أن من طبيعة هذه القوى أنها دائما تحاول أن تشبه الشئ بالشئ من دون أن تكون علاقة قوية بينهم.
(٣) لعلها درًا.
(٤) إشارة إلى القوة الغضبية وأنها أقوى من القوة الشهوانية التي وصفها بأنها على اليسار.
(٥) الفاء زائدة لسوء التعبير.
(٦) أراد بذلك ما عليه قوته للعقلية من ملازمة هذه القوى الأخرى لها، وضرورة مجاورتها إياها ولا مخلص للعقل ولا منجى، مادام مع البدن.