للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

إقليم وراء إقليمكم تعمره الملائكة الأرضية تهدى بهدى الملائكة قد نزعت عن غواية المردة وتقيدت سير الطيبين من الروحانيين، فأولئك إذا خالطوا الناس لم يعبثوا بهم ولا يضلوهم ويحسن مظاهرتهم على تطهيرهم وهي جن وجن (١) ومن حصل وراء هذا الإقليم وغل في أقاليم الملائكة فالمتصل منها بالأرض إقليم سكنته الملائكة الأرضيون وإذا هم طبقتان طبقة ذات الميمنة، وهي علامة أمارة، وطبقة تحاذيها ذات الميسرة وهي مؤتمرة عمالة، والطبقتان تهبطان إلى أقاليم الجن والإنس هويا وتمعنان في السماء رقيا، ويقال إن الحفظة الكرام والكاتبين منهما (٢) وإن القاعد مرصد اليمين من الإمارة وإليه الإملاء (٣) والقاعد مرصد اليسار من العمالة، وإليه الكتاب (٤) ومن وجد له إلى عبور هذا الإقليم سبيل خلص إلى ما وراء السماء خلوصا، فلمح ذرية الخلق الأقدم ولهم ملك واحد مطاع، فأول حدوده معمور بخدم لملكهم الأعظم عاكفين على العمل المقرب إليه زلفي (٥) وهم أمة بررة لا تجيب داعية نهم أو قرم أو غلمة أو ظلم أو حسد أو كسل قد وكلوا بعمارة ربض هذه المملكة ووقفوا عليه وهم حاضرة متمدنون يأوون إلى قصور مشيدة وأبنية سرية تنوف في عجن طينتها حتى انعجن ما لا يشاكل طينة إقليمكم (٦) وإنه لأجلد من الزجاج والياقوت وسائر ما يستبطأ أمد بلائه، وقد أملى لهم في أعمارهم وأنسئ في آجالهم فلا يحرمون دون أبعد الآماد ووتيرتهم عمارة الربض طائعين. وبعد هؤلاء أمة أشد اختلاطًا بملكهم مصرون


(١) أراد بالجن القوة المتعقلة من الحواس.
(٢) أراد به النفوس الناطقة الإنسانية. أي إذا تجاوزت بنظرك رتبة هذه القوى البدنية انتهيت في النظر إلى رؤية الملائكة.
(٣) أراد بالحفظة والكرام الكاتبين قوة العقل من قوله تعالى "وإن عليكم لحافظين كرامًا كاتبين يعلمون ما تفعلون" وذلك لأن العقل هو الذي يحفظ الإنسان ويدبر أمره.
(٤) في الإنسان قوتان. قوة علمية وقوة عملية. وقد جعل العلمية ذات اليمين لشرفها، وفضلها على الأخرى العملية.
(٥) أشار به إلي النفوس الفلكية، فإنها تشرف بالقرب من الله في الاستكمال. وكانوا يعتقدون ذلك، وأنهم أمة بررة منزهة عن القوى الأرضية والغضبية والشهوانية.
(٦) أي ليست هي مجردة عن المادة كل التجريد، بل ملابسون لها على نوع من الملابسة، وقوله يأوون إلى قصور، هي صور الأفلاك التي شبهها في علوها وارتفاع محلها بالقصور المشيدة.