للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

"الديوان" الذي أقاموه في القاهرة، وألفوه من عشرة مشايخ (حرص الفرنسيون على ألا يكون من بينهم أحد من طبقة المماليك) لينظروا في أمور الحكم، وأقام بونابرت إلى جانبه "كتخدا" (ويسميه المصريون "كخيا") كما كان يفعل الباشوات الأتراك من قبل.

وما لبث نظام الحكم الذي استنه محمد على أن أصبح نظامًا مركزًا في يده شديد التركيز، وهو ما كان يحدث في مصر على الدوام إذا ما أتيح لها حاكم قوى، فألغيت كل السلطات الإقطاعية (مذبحة المماليك) ولم يبق في البلاد حاكم عظيم إلا الباشا نفسه يحكم باسم السلطان. وكانت أساليب حكمه في بداية الأمر هي الأساليب الشرقية التركية الخالصة، ولكن الطريقة التي إنهار بها هذا النظام الحكومى المطلق لم تكن هي الطريقة الشرقية، ذلك أن مصر لم تعد بعد إنهياره إلى الوقوع في أيدى طائفة من الأمراء الإقطاعيين لأن المصالح الأوربية كانت أخذت تتغلغل فيها تدريجًا، وانتهى الأمر بأن صار حكم البلاد صورة من النظام الملكى الدستورى وإن أبقى هذا الحكم على الأسرة الخديوية. على أن القيود التي فرضت على هذا الحكم المطلق لم تقم بها هيئة ممثلة للشعب بل قام بها ممثل لحكومة أوربية.

ولم تكن العلاقة القائمة بين الباب العالى وتابعه في مصر لتقيد يد الولاة من التصرف في الشئون الإدارية الداخلية حتى بعد صدور فرمان ٢٣ مايو سنة ١٨٤١ , وهو الفرمان الذي ظلت نصوصه من وقت صدوره إلى عام ١٩١٤ أساسًا لمركز مصر القانونى من الوجهة الدولية (انظر نص هذا الفرمان في كتاب "تاريخ دولت عليه عثمانية" لمؤلفه أحمد لطفي طبعة الآستانة سنة ١٣٠٢ هـ, جـ ٦ , ص ٢٣٥). ولم ينص هذا الفرمان فيما يتعلق بإدارة البلاد الداخلية إلا على وجوب تطبيق الـ"خط شريف الكلخانى" الصادر في عام ١٨٣٩ وعلى دفع الجزية من إيرادات مصر (وقد حدد مقدارها بثمانين ألف كيس