للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عزله، وأقروا بصحة خلافة علي ولكنهم قالوا إنه أخطأ في التحكيم وحكموا بكفره لما حكم، وطعنوا في أصحاب الجمل: طلحة، والزبير، وعائشة، كما حكموا بكفر أبي موسى الأشعري وعمرو بن العاص، "وقد قُبض على أحدهم وقُدم إلى زياد ابن أبيه، فسأله زياد عن أبي بكر وعمر، فقال فيهما خيرًا؛ وسأله عن عثمان فقال: كنت أتولى عثمان -على أحواله- في خلافته ست سنين، ثم تبرأت منه بعد ذلك، وشهد عليه بالكفر؛ فسأله عن أمير المؤمنين علي فقال: أتولاه، إلى أن حكم، ثم أتبرأ منه بعد ذلك، وشهد عليه بالكفر؛ فسأله عن معاوية فسبه سَبًّا قبيحا .. إلخ (١) ". فترى من هذا أن كلامهم كان يدور حول تشريح أعمال الخلفاء وأنصارهم، والبحث فيمن يستحق أن يكون خليفة ومن لا يستحق، ومن يكون مؤمنا ومن لا يكون.

وقد وضعوا نظرية للخلافة وهي: أن الخلافة يجب أن تكون باختيار حر من المسلمين، وإذا اختير فليس يصح أن يتنازل أو يحكم، وليس بضروري أن يكون الخليفة قرشيا، بل يصح أن يكون من قريش ومن غيرهم ولو كان عبدًا حبشيًا، وإذا تم الاختيار كان رئيسَ المسلمين، ويجب أن يخضع خضوعًا تاما لما أمر الله، وإلا وجب عزله.

ولهذا أمّروا عليهم من اختاروه منهم، "وسموا عبد الله بن وهب الراسبي أمير المؤمنين ولم يكن قرشيا وإنما هو من "راسب" حَيٌّ من الأزد، وكذلك أمراؤهم من بعده". وقد خالفوا بهذا نظرية الشيعة القائلة بانحصار الخلافة في بيت النبي: علِيّ وآله، وأهلَ السنة القائلين بأن الخلافة في قريش؛ وهذه النظرية هي التي دعتهم إلى الخروج على خلفاء بني أمية ثم العباسيين لاعتقادهم أنهم جائرون غير عادلين، لم تنطبق عليهم شروط الخلافة في نظرهم.

نرى الخوارج في أول أمرهم كانت صبغتهم سياسية محضة، ثم نراهم في عهد عبد الملك بن مروان قد مزجوا


(١) الشهرستاني ١: ١٦١.