للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وتوفي هؤلاء الشيوخ الخمسة في فاس خلال القرنين الحادى عشر والثاني عشر الهجريين، وهذه السلسلة السابقة على أبي المحاسن الذي يعد بمثابة محيى التصوف في فاس أشهر من أن يستدعى المقام ذكرها هنا، ويمكن أن نجدها مثلا في تراجم أبي المحاسن ونخص بالذكر من هذه التراجم "مرآة المحاسن" (طبعة فاس ١٣٢٣) ورسائل مولاى العربي الدرقاوى (طبعة فاس ١٣١٨).

وقد أظهر مولاى العربي الدرقاوى الاستقامة كشيخه، كما اتبع شعائر بعض "الأولياء العارفين بالله" فقد لقى ذات يوم في أحد شوارع فاس أمام دكان من الدكاكين الولى المشهور سيدى العربي البقال، وكان في حالة وجد يحيط به جمع من الناس يخاطبهم متحمسا، فوقف مولاى العربي الدرقاوى إلى جانبه، فدعاه الولى العارف بالله، وأمسك به وعانقه وقال متنبئا "إني أعطيك السلطان على الشرق والغرب" وذهب مولاى العربي لحال سبيله، ولم ينقض يومان حتى مات الولى العارف بالله. وقد أحيا هذا الضرب من أخذ العهد بعد ذلك بعض جماعات الدرقاوى (وبخاصة الهبرية) وزعيم فتنة مرغريت Margueritte .

وما إن تزعم مولاى العربي على طريقته حتى بادر إلى تنظيمه على أسس راسخة، وزاد كثيرا في عدد أتباعه، وزودهم في رسائله بقواعد مناسبة للسلوك، وهي ضرب من الشريعة يوحد مذهب الإخوان، وكانوا يعرفون منذ ذاك بالدرقاوى (أي أتباع الدرقاوى) وأخذ عددهم يتضاعف في جميع الأنحاء، وهم ينمازون من غيرهم بالعصا التي يتوكئون عليها، تشبها بالنبى موسى [عليه السلام]؛ أو بالعقد ذي الحبات الخشبية الكبيرة، يلبسونه تقليدا للصحابى أبي هريرة، وباللحية الطويلة يرسلونها، وبأرديتهم من الخرق (يلبسها المتشددون منهم) تقليدا لأبى بكر وعمر بن الخطاب، مما جعل الواحد منهم يكنى بـ"أبي دربالة" (١) (أي لابس الخرق) ووضع بعضهم وخاصة في جنوب مراكش، على رأسه عمامة خضراء، كما أوصاهم شيخهم أن يذكروا الله بالتمايل (٢) وأن ينفردوا


(١) الدربالة في المغرب هي الثوب الخلق المرقع - إطفيش. (م. ع.)
(٢) كانت في الأصل "الرقص" المقصود طبعًا التمايل في "الذكر" المحرر.