للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الوليد بن عبد الملك. وهو أعظم من اهتم بالعمارة في العصر الأموى.

أما المسجد القديم فلم يستعمل إلَّا بصفة مؤقتة، وهكذا أصبح للحاضرة بيت للعبادة جدير بمكانتها. وقد سبق أن بينا الموقع الذي اختير لإقامة المسجد عليه. وظلت سرة المدينة كما كانت في العهد الجاهلي والمسيحى فيما جاور المعبد الكبير، وكان هم المسلمين الأول هو بناء مسجد جديد في موضع المسجد القديم بالمواد التي كانت لا تزال باقية في أطلال المبانى القديمة الفخمة، وتم لهم ما أرادوا. وفي عام ٨٦ هـ الموافق ٧٠٥ م هدم جزء من الكنيسة شيد على أطلاله البناء الجديد، وهو الذي عده النَّاس فيما بعد ثالث عجيبة من عجائب الدنيا. وجرى النَّاس على القول بأن بناء الكنيسة لم يتغير في جوهره، وأن كل ما عمله الوليد هو القيام بزخرفته. على أنَّه قد وجهت إلى هذا الرأى حديثًا اعتراضات لها قيمتها ووزنها (انظر بصفة خاصة Thiersch: Pharos، ص ١٠٤, ٣١٤). وأثبت الدرس الدقيق للبناء أن الصحن والمحراب بصفة خاصة لا يمكن أن يرجعا إلى ما قبل الإِسلام (Dickie: Quarterly Statement of the Palestine Exploration Fund، ١٨٩٧ م, ص ٢٦٨ - ٢٨٢). وكانت النفقات التي أنفقها الوليد على هذا البناء باهظة. فقد استحضر له من القسطنطينية حشودًا من العمال لصنع الفسيفساء بخاصة. وقد ثبت من أوراق البردي التي عثر عليها حديثا أنَّه استقدم من مصر مهرة العمال وجلب منها مواد البناء. (انظر Islam, جـ ٢، ص ٢٧٤, ٣٧٤).

ولعله لم يبق إلَّا على أركان الجدران القديمة، وإذا صح رأى تيرش فإن هذه الأركان لم تكن بالضرورة جدران الكنيسة نفسها، كما أبقى على أبراج الكنيسة الغربية والشرقية واتخذها مآذن. والذي يقرأ المصادر العربية يرجح أن المسجد القديم برمته قد دخل في بناء المسجد الجديد، إلَّا أن هذا القول مشكوك فيه إلى حد كبير.

وتفصيلات الأمر جديرة بأن تتجلى بأجلى بيان إذا عاود الخبراء دراسة هذا الموقع عن كثب وتناولوا الروايات