للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ففيما يتعلق بالزمان الطبيعى قد ميز بين الزمان الماضى وبين الزمان الحاضر أو الـ "آن" وبين الزمان المستقبل أو المستأنف. ولما كان الزمان، شأنه شأن الحركة عند أرسطو، كمًا متصلا فإنه (خلافا لمذهب الجوهر الفرد عند علماء العقائد) (١) لا يتألف من لحظات منفصلة، وعلى هذا فإن الـ "آن" ليس زمانا بالمعنى الحقيقى. ومع هذا فإن اللحظة الحاضرة هى الشئ الحقيقى الوحيد فى الزمان، وهذا التناقض فيما يتعلق بالزمان أدى إما إلى الشك فى الزمان وأما إلى آراء فى أن الماضى يبقى حقيقة ويدخل فى الحاضر.

وقد عرف الزمان، متابعة لأرسطو، تعريفًا دقيقا بأنه عدد الحركة -أو مقدار، أو كم، أو كمية الحركة- بحسب المتقدم والمتأخر، وكذلك عرفت الحركة على العكس من ذلك، بأنها عدد أو مقدار الزمان. وأرسطو، وهو الذى ينسب إليه أنه قد أبرز العلاقة بين الحركة والزمان، قد ذكر التعريف الأخير مرة (كتاب الطبيعة لأرسطو، الكتاب الرابع، قسم ١٢، ص ٢٢٠ جـ، س ١٤ - ١٦)، لكن هذا التعريف صار عند أصحاب المذهب الأفلاطونى الجديد تعريفًا ثابتًا. وأخيرا يجب أن نذكر أن الزمان، كما يفهم من تعريف أرسطو له، شأنه شأن الحركة، ليس له بداية ولا نهاية، فمكان العالم متناه، وكل نقطة فى هذا المكان يمكن أن تكون نقطة انتهاء خط، لأن الخط ساكن؛ أما الزمان، من حيث هو مقدار الحركة، فهو يجرى أبدا ولا ينتهى.

ويختلف عن هذا التصور الأرسطى للزمان تعريف الزمان بأنه "المدة" أو "الامتداد" أو "المدى (٢) "، وأغلب الظن


(١) كان علماء العقائد يقولون بقسمة المكان والزمان والحركة والجسم إلى أجزاء لا تتجزأ -انظر ما يلى- المترجم.
(٢) يكتب صاحب المقال هذه الكلمة كما لو كانت "المضاء" بالعربية، وهذا غير صحيح، وخصوصا أن اقتباسه لرأى أبى الهذيل نقلا عن الأشعرى فى كتابه مقالات الإسلاميين يدل على أنه نقل كلمة "مدى" على أنها "مضاء". وهو فعل ذلك أيضا فى نقله عن كتاب "البدء والتاريخ" بعد قليل -المترجم.