للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الرازى موجود حقيقة، وهو أشبه بجوهر.

ويميز أبو سليمان السجستانى (نبغ فى النصف الثانى من القرن الرابع الهجرى)، بين الدهر والزمان، فالدهر فوق الزمان، وهو إشارة إلى امتداد وجود ذات من الذوات، ومنه "دهر مطلق"، وهو امتداد وجود الذوات الثابتة الموجودة وجودًا حقيقيًا مطلقًا من غير أن تقترن بمبدأ أو نهاية، و"ودهر بسيط" أو "دهر بالإضافة والشرط" وهو امتداد وجود الذوات الحادثة المتناهية التى لها ابتداء.

أما الزمان فهو عند أبى سليمان "عدد الحركة" وفيه القبل والبعد، وهو ليس عنده مدة تعدها الحركة، وإلا أصبحت الحركة أشبه بمكيال للمعنى المفهوم من الدهر، ويرى أبو سليمان أن الزمان ألطف من المكان "كأن المكان من قبيل الحس والزمان من قبيل النفس" وأن الزمان الواحد يشمل أكثر من شئ واحد، بل يشمل أشياء لا نهاية لها، أما المكان الواحد فهو إن شغله شئ لم يتسع لغيره (١).

ومن المعروف أن افلاطون يميز بين شيئين: الدهر أو السرمد (. . .) وهو شئ أزلى باق ثابت؛ والزمان الذى وجد على مثال السرمد مع وجود السماء. وإذن فله بداية، وهو متحرك، ويمكن أن تكون له نهاية (٢)؛ كما نعرف أن أرسطو قال إن الزمان هو "مقدار الحركة بحسب المتقدم والمتأخر". ثم جاء أفلوطين (٣) فبنى مذهبه على مذهب أفلاطين وميز بين زمان هو مدة بقاء العالم المادى المتغير وبين دهر هو مدة بقاء العالم العقلى الأبدى الأزلى الذى لا يعرض له تغير، ومعنى هذا أن الدهر كما عند برقلس مبدأ أعلى، فوق الزمان بل فوق النفس. ومن جهة أخرى يذكر البيرونى (٤) عن الهنود أنهم يميزون بين "الزمان الكلى" و"الأزمنة الجزئية" والأول هو "المدة" أو "الدهر" وهو الامتداد الزمانى للَّه أو للنفس أو


(١) راجع كتاب المقابسات للتوحيدى، طبعة القاهرة ١٣٤٧ هـ = ١٩٢٩ م، ص ١٥٤، ١٧٣، ٢٧٨.
(٢) راجع محاورة طيماوس لأفلاطون، ص ٣٧ و ٣٨.
(٣) راجع كتاب مذهب الذرة عند المسلمين، تأليف الدكتور بينيس، ص ٥٢ - ٥٣.
(٤) تحقيق ما للهند ص ١٦٤، ١٧٧.