للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

للأعمال أو الأشياء. ولما كان المتكلمون جميعا يقولون بحدوث العالم -وهو عندهم كل ما سوى اللَّه- فهم جميعا يقولون بحدوث الزمان وتتاهيه من أوله تبعا لحدوث العالم، وعلى هذا الأساس أقاموا الدليل على وجود الخالق، واختلفوا فى ضرورة تناهى العالم وفنائه، فمنهم، مثل جهم بن صفوان، من قال بوجوب فنائه آخر الأمر ليبقى اللَّه وحده بعد فناء العالم، كما كان وحده قبل خلقه له؛ ومنهم، مثل أبى الهذيل العلاف، من قال بضرورة انتهاء حركة العالم إلى سكون دائم؛ ومنهم، مثل الإسكافى والنظام والكندى الفيلسوف والغزالى من جوز بقاء العالم والحركة والزمان بقاء مستمرا، لكن ما دام ذلك البقاء والاستمرار سيدخل فى دائرة الفعل فهو بالضرورة متناه، وإن كان من حيث القوة والإمكان يمكن أن يعتبر لا نهاية له (١). والمتكلمون بالجملة، تمشيا مع تصورهم الذرى للكون، ينكرون الكم المجرد سواء كان عددا (وهو الكم المنفصل) أو مقدرا أعنى امتدادا مكانيا (هو الكم المتصل غير القارّ الذى يعرض فى الجسم أو يكون فيه)، وهم قد انكروا الزمان أيضا (أى الكم المتصل غير القارّ) ولم يعتبروه موجودا حقيقيا بل أمرا عرضيا اعتباريًا موهوما؛ فالماضى قد انقضى ولا وجود له، والمستقبل لم يات بعد، فلا يبقى إلا الحاضر، فلو قيل بوجود زمان حاضر -هو الآن- لكان جزءًا لا يتجزأ مستقلا بذاته، وهذا ما لا يقول به الفلاسفة فضلا عن المتكلمين، ولو كان الزمان شيئا موجودًا -مع القول بأنه كم متصل غير قار- لتقدم بعض أجزائه على بعض، وهذا التقدم لا يكون إلا بالزمان، وهذا يؤدى إلى التسلسل. والأشاعرة يرون أن الزمان "متجدد معلوم يقدر به متجدد مبهم إزالة لإبهامه، وقد يتعاكس التقدير بين المتجددات، فيقدر تارة هذا بذاك وأخرى ذاك بهذا، وإنما يتعاكس بحسب ما هو متصور ومعلوم للمخاطب، فإذا قيل مثلا: متى جاء زيد؟ يقال: عند طلوع الشمس، إن كان المخاطب الذى هو السائل مستحضرا لطلوع الشمس ولم يكن مستحضرا لمجئ زيد كما دل عليه


(١) راجع كتاب الانتصار للخياط ص ٩ - ١٣، طبعة القاهرة ١٣٤٤ هـ = ١٩٢٥ م، وكتاب التهافت للغزالى طبعة بيروت، ص ٨٠.