للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الثلاثة الأولى إنما كانوا ثوارًا سياسيين مقتنعين بحقهم فى الخلافة، ولم تعرف عنهم آراء ولا نظريات ولا أعمال كالمعروف عند غلاة الشيعة، وإلا لوصلت إلينا، أو لنسبها غلاة الشيعة إليهم. ومما يدل على مقدار حرصهم على احترام الصحابة ما يحكى من أن زيد بن علىّ بن الحسين، مع اقتناعه بأفضلية علىّ رضى اللَّه عنه وبحقه فى الخلافة من أول الأمر، أنكر على بعض أنصاره طعنهم فى أبى بكر وعمر رضى اللَّه عنهما فتفرقوا عنه (مقالات الإسلاميين ص ٦٥) وأن جعفرًا الصادق تبرأ ممن غلا فيه من أتباعه (١) أما الآراء المخالفة للإسلام فلم تظهر إلا على يد زعماء من زعماء فرق الشيعة، وهم ليسوا من أهل البيت.

وربما كان الزيدية الأولون -والزيدية بوجه عام، وهم أتباع زيد بن على بن الحسين- أقل فرق الشيعة الكبرى (الزيدية والرافضة والغلاة) خروجًا على مبادئ الإسلام. وكل خلاف الزيدية، يدور حول أشخاص الأئمة، ومنهم من دخل فى مسائل علم الكلام، فلم تخرج خلافاتهم عن خلافات الفرق خصوصًا المعتزلة. أما الرافضة القائلون بأن النبى عليه الصلاة والسلام نص على خلافة على رضى اللَّه عنه، وأن الخلافة لا تكون إلا نصا على الأفضل، فكل خلافاتهم فيما بينهم تدور حول أشخاص الأئمة، ومنهم من أنكر موت الأئمة أو قال بالرجعة، أو بحلول روح الأئمة فى بعض زعمائهم، أو تأثر فى مسألة الإمامة بفكرة يهودية (المقالات ص ٢٤ - ٢٥)، وهم أيضًا دخلوا فى مسائل الكلام، ومنهم مشبهة مجسمة (مثل هشام بن الحكم) فى أول الأمر، ثم تأثروا بالمعتزلة، وقليل منهم من اعتبر الأئمة أفضل من الأنبياء، أو أن المعجزات تظهر على أيديهم.

وأما غلاة الشيعة فعندهم أغرب الآراء وأبعدها عن الإسلام، وكل آراء الأولين منهم عظائم، ولو جمعناها للاحظنا ما يأتى (٢): القول بالرجعة


(١) الشهرستانى، طبعة كورتن، ص ١٣٦ - ١٣٧ (فرقة الخطابية).
(٢) راجع مثلا مقالات الإسلاميين، ص ٥ والصفحات التالية.