للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بالفشل، فإننا نستطيع أن نفهم بسهولة ما ذهب اليه مؤرخو أهل السنة من أن أمثال هذه المذاهب والحركات المتصلة بها كان يقصد بها محاربة الإسلام ودولته ومؤرخو أهل السنة يردون ذلك إلى المجوس، ويرون أن الدعوة الباطنية هى التى كانت الوسيلة إلى ذلك. فيحكى البغدادى المتوفى سنة ٤٢٩ (١) أن المجوس فى أيام المأمون تشاوروا فى الكيفية التى يستطيعون بها استرجاع ملكهم، فلما وجدوا أنهم عاجزون عن قهر المسلمين دبروا حيلة هى تأويل أركان الشريعة على وجوه تؤدى إلى إبطالها، وانتدبوا لذلك حمدان قرمط وعبد اللَّه بن ميمون القداح. ويذكر البغدادى مذهبهم فى التوحيد، وهو مذهب ثنوى فى صورة إسلامية، ومذهبهم فى النبوات وبعض آرائهم فى تأويل أركان الشريعة وكثيرا من آرائهم الفلسفية (٢) وابن حزم يذكر آراء الغلاة من مختلفى الفرق بمن فيهم غلاة الشيعة، ويذكر آراءهم المخالفة للإسلام، ثم يقول (٣): أن أكثر ذلك يرجع إلى أن الفرس كانوا من سعة الملك وعلو اليد على جميع الأمم ومن إعتزازهم بأنفسهم حتى كانوا يسمون أنفسهم حرار، ويعتبرون سائر الناس عبيدًا لهم، وكانوا يعتبرون العرب أقل الأمم شأنا، فلما أزال العرب دولة الفرس رام هؤلاء الكيد للإسلام بالمحاربة فى أوقات شتى. ويذكر ابن حزم بعض زعماء هذه النزعة ومنهم خداش الذى تقدم ذكره، ويقول إن قومًا من الفرس أظهروا الإسلام واستمالوا الشيعة بإظهار محبة أهل البيت واستشناع ظلم علىّ رضى اللَّه عنه ثم سلكوا بهم مسالك شتى حتى أخرجوهم عن الإسلام من طريق القول بالمهدى المستأثر بمعرفة حقيقة الدين، ومن طريق القول بالحلول وتأويل أركان الشريعة، ومن هذا له ظهر الإسماعلية والقرامطة.


(١) راجع كتابه "أصول الدين" طبعة استانبول ١٩٢٨، ص ٣٢٩ - ٣٣٠، وكتاب "الفرق بين الفرق"، طبعة القاهرة , ١٣٢٨ هـ، ص ٢٦٩ وما بعدها و ٢٧٧.
(٢) الفرق بين الفرق ص ٢٦٩ - ٢٧٠، ٢٧٧ - ٢٧٩، ٢٩٤ وما بعدها.
(٣) الفصل، طبعة القاهرة، ١٣٢٠ هـ، جـ ٢، ص ١١٥.