للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

تثبت أن أئمة الفقهاء إنما كانوا حريصين على أن يقترن اسمهم بسيبويه. ثم إنه من الراجح أن سيبويه لم تتح له فرصة تدريس كتابه أو قراءته على تلاميذه، وقد وقعت هذه المهمة على عاتق شيخه الأخفش الذى اضطلع بعد وفاة سيبويه بمراجعة كتابه مراجعة دقيقة. ولم يقتصر الاهتمام بدراسة كتاب سيبويه على البصريين فحسب، بل إننا نعلم أن غير البصريين كانوا يهتمون به كذلك كما تدل حكايته عجيبة رواها الجاحظ: "أهدى الوزير ابن الخياط (١) نسخة من كتاب سيبويه بخط الفرَّاء ومقابلة الكسائى وتهذيب عمرو بن بحر الجاحظ -يعنى نفسه، فقال الوزير هذه أَجل نسخة توجد وأعزها".

وإذا كان سيبويه ينطق العربية بلسان تشوبه عجمة واضحة فإن كتابه كان يعد دائمًا من الكتب العمدة فى العربية الفصيحة. ويتسم أسلوبه شأن المؤلفات العربية الأولى بالإطناب الكثير والحجج المملة المجهدة، على أنه حافل بعدد لا يحصى من الشواهد المستقاة من القرآن، ويشمل نيفا وألف بيت من الشعر القديم، خمسون منها لشعراء مجهولين. وعلى ذلك فإن هذه الأبيات الخمسين يستشهد بها فى كتب النحو التى جاءت بعده اعتمادًا على ما ناله كتاب سيبويه من ثقة عظيمة. وقد وجدت هذه الأبيات شارحا مقتدرًا فى شخص أبى سعيد الحسن السيرافى المتوفى سنة ٣٦٨ هـ وهو الذى تولى على هذا النحو شرح عدد من أشهر آثار مدرسة البصرة. وكثر بعد ذلك عدد الشراح كثرة عظيمة حتى أصبحنا لا نكاد نجد فقيها من الفقهاء من أتباع هذه المدرسة إلا وشرح كتاب سيبويه أو زاد عليه، وحسبنا أن نذكر فى هذا المقام طائفة من أشهر الذين وقفوا جهودهم على شرح هذا الكتاب وتيسيره؛ المبرّد (توفى سنة ٣٨٤ هـ)؛ وعلى بن سليمان الأخفش (توفى سنة ٣١٥ هـ)؛ والرمّانى (توفى سنة ٣٨٤ هـ)؛ وابن السرّاج (توفى سنة ٣١٦ هـ)؛ والزمخشرى (توفى سنة ٥٣٨ م) وابن الحاجب (توفى سنة


(١) الأمير الذى ذكره ابن خلكان فى روايته لحكاية الجاحظ هو محمد بن عبد الملك الزيات وزير المعتصم