للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

لقبا يستطيع أى مفتٍ له بعض النفوذ أن يتلقب به. ويقول محمود بن سليمان الكفوى المتوفى سنة ١٥٨٢ م فى تراجمه لفقهاء الحنفية: "الأعلام الأخيار من فقهاء مذهب النعمان المختار" (Gesch. der Arab Litt.: Brockelmann, جـ ٢، ص ٨٣) إن من يلقب بشيخ الإسلام من أصحاب الفتيا هم أولئك الذين يفصلون فى المسائل الخلافية ويبتون فى الأمور التى تتعلق بالصالح العام (وفقا لقول على أميرى فى علميه سالنامه سى، ص ٣٠٦). وهكذا نجد فى مصر وروسيا حتى يومنا هذا (١)، وفى تركية حتى القرن الثامن عشر (انظر أوليا جلبى: سياحتنامه فى مواضع مختلفة) أن أصحاب الفتيا، سواء كانوا من أهل السنة أو من الشيعة، إذا بلغوا شيئًا من النفوذ جاز أن يلقبوا بهذا اللقب، على أن تطور اللقب فى فارس كان على خلاف ذلك، فقد أصبح شيخ الإسلام هناك سلطة قضائية يرأس فى كل قرية ذات شأن محكمة دينية مؤلفة من الملا والمجتهدين. وكان شيخ الإسلام فى عهد الصفويين يعينه صدر الصدور (Les six Vayages: Tavernier باريس ١٦٧٦ م، جـ ١ ص ٥٩٨؛ Persia: Curzon، لندن ١٨٩٢، جـ ١، ص ٤٥٢، ٤٥٤).

بيد أن هذا اللقب بلغ أوج مجده بعد أن أطلق بخاصة على مفتى الآستانة الذى اكتسب منصبه فى دولة سلاطين آل عثمان بمرور الزمن أهمية سياسية ودينية لا نظير لها فى الدول الإسلامية الأخرى. وفى القرون الأولى من حكم الدولة العثمانية كان نفوذ مشايخ الصوفية يفوق كثيرًا نفوذ العلماء، فلما أعاد محمد الأول تنظيم الدولة، قام صراع عنيف بين النفوذ الجديد لأهل السنة وبين نفوذ الشيعة المتصوفة (مثال ذلك حادث بدر الدين محمود) وانتهى هذا الصراع بغلبة أهل السنة فى عهد سليم الأول. والظاهر أن أصحاب الرواية التاريخية العمليون قد تجاهلوا هذا التطور، ولا مناص من قبول روايتهم فى شئ كثير من التحفظ، على حين أن المصادر القديمة


(١) كان ذلك وقت كتابة هذه المادة.