للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والمقتصد؛ فمنهم من اقتصر على القول بأن أبا بكر وعمر وعثمان ومن شايعهم أخطأوا إذ رضوا أن يكونوا خلفاء مع علمهم بفضل علىّ وأنه خير منهم، ومنهم من تغالى فكفرهم وكفر من شايعهم لأنهم -وقد أوصى النبى لعلىّ- جحدوا الوصية، ومنعوا الخلافة مستحقها، وانحدروا من ذلك إلى شرح حوادث التاريخ على وفق مذهبهم، وتأويل الوقائع تأويلًا غريبًا، أسوق لك مثلًا منه: "فتزعم الشيعة أن رسول اللَّه [-صلى اللَّه عليه وسلم-] كان يعلم موته، وأنه سيّر أبا بكر وعمر فى بعث أسامة لتخلو دار الهجرة منهماء فيصفو الأمر لعلىّ عليه السلام، ويبايعه من تخلف من المسلمين بالمدينة على سكون وطمأنينة، فإذا جاءهما الخبر بموت رسول اللَّه [-صلى اللَّه عليه وسلم-] وبيعة الناس لعلىّ بعده كانا عن المنازعة والخلافة أبعد. . . فلم يتم ما قَدَّر، وتثاقل أسامة بالجيش أيامًا مع شدة حث رسول اللَّه [-صلى اللَّه عليه وسلم-] على نفوذه" (١).

ولم يكتف غلاة الشيعة بهذا القدر فى علىّ، ولم يقنعوا بأنه أفضل الخلق بعد النبى، وأنه معصوم، بل ألَّهُوه، فمنهم من قال: "حلَّ فى علىّ جزء إلهى، واتحد بجسده فيه، وبه كان يعلم الغيب، إذ أخبر عن الملاحم وصح الخبر، وبه كان يحارب الكفار وله النصرة والظفر، وبه قلع باب خيبر، وعن هذا قال: واللَّه ما قلعت باب خيبر بقوة جَسدَانية، ولا بحركة غذائية، ولكن قلعته بقوة ملكوتية. . . قالوا: يظهر علىّ فى بعض الأزمان. . . والرعد صوته والبرق تبسمه. . . إلخ" (٢)، وهؤلاء الذين أَلَّهُوه ذهبوا فى تأليهه جملة مذاهب، وقالوا فيه أقوالًا غريبة لا داعى للإطالة بذكرها -وقد ذكروا أن أول من دعا إلى تأليه علىّ عبد اللَّه بن سبأ اليهودى (٣)، وكان ذلك فى حياة علىّ، وقد رأيت قبلُ طرفًا من سيرة ابن سبأ هذا؛ فهو الذى حرك أبا ذر الغفارى للدعوة الاشتراكية، وهو الذى كان من أكبر من ألَّب الأمصار على عثمان،


(١) شرح نهج البلاغة ١: ٥٤.
(٢) الشهرستانى ١: ٢٠٤.
(٣) يذهب بعض الباحثين إلى أن عبد اللَّه بن سبأ رجل خرافى ليس له وجود تاريخى محقق، ولكنا لم نر لهم من الأدلة ما يثبت مدعاهم.