للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الروم يقطع عليهم خط الرجعة، ومن ثم أكرهوا على الهرب إلى الجبال والتحصن فى مدينة ميناو Mineo، وبقوا فيها إلى أن ظهر أسطول من المغامرين الأسبان وأمدهم بالزاد والعتاد، بيد أن بلاط القيروان كان قد توطدت أركانه، وكان لا يزال غير راض عما تم من غزو، فأنفذ أسطولا كبيرا من ٣٠٠ سفينة تحمل ٢٠.٠٠٠ رجل، حاصروا تحت إمرة آسبغ مدينة غلوالية واستولوا عليها، حيث فعل الطاعون بهم مرة أخرى ما استحال على الجيوش الصقلية أن تفعله، على أن بعض الغارات الأخرى نجحت فى الجزيرة، فقد ركزت فرقة اهتمامها ببلرم (باليرمو) وأكرهتها على التسليم، وكان غزو هذه المدينة هى ومدن أخرى كثيرة أصغر منها يعد حقًا من المغامرات فى تاريخ الغزو الإسلامى، فقد كان بداية لها شأنها فى إخضاع نواح أخرى، وأصبحت بلرم مقرًا للأمير، بل هى قد مكنت العرب من صقلية تمكينًا. والحق إن المهاجمين اطمأنوا إلى ممتلكاتهم الجديدة اطمئنانًا عظيما حتى إنهم انقلبوا يتحدى بعضهم بعضًا، ومن ثم بدأت قصة الانشقاق الصقلى الذى غشى الإدارة الإسلامية حتى النهاية. وكان بين العنصرين الأسبانى والإفريقى فى المغامرة احتكاك دائم، بل إن هذا الاحتكاك أفسده التمييز بين اليمنيين والأمويين وبين الفرس والبربر. وما إن حلت سنة ٨٤٠ م حتى كان ثلث الجزيرة قد أصبح يحكمه المسلمون، وسرعان ما استنجدت نابولى ورددت منحدرات جبل فيزوف وسهول كالابريا ومياه البحر الأدرياوى صرخات الحرب يطلقها المسلمون، بل إن فرق المسلمين لهددت رومة نفسها سنة ٨٤٦ م وتعذر عليهم اختراقها فأعملوا السيف فيما بقى خارجها، وكان ثمة حملة أخرى قدمت من القيروان، فقد أغار جعفر سنة ٨٧٥ م على سراقوسة بجيش كامل العدة، وحاصرها ثلاث سنوات سقطت على إثرها بين يدى المسلمين هذه المدينة العظيمة، الحافلة بالتاريخ الإنسانى العريقة فى الحضارة؛ ويتبع ذلك قصة الاستيلاء على الغنائم، بل يتبعه أيضًا الأهواء والغيرة والتحزب والشقاق؛