للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وابن سينا هو الوحيد الذى نذكره هنا من بين الفلاسفة، وقد كتب ابن سينا رسالة موجزة فى الصلاة، ("فى الكشف عن ماهية الصلاة وحكمة تشريعها" فى جامع البدائع، القاهرة ١٢٣٥ هـ = ١٩١٧ م، ص ٢ - ١٤) وجوهر الصلاة عنده معرفة وجود اللَّه فى ذاته ووجوب هذا الوجود، وهى تكون فى الباطن أو الظاهر بحسب طبيعة المؤمن الذى يؤديها. وعند ابن سينا أن ارتقاء معارج الروح لا يقدر عليه الناس جميعًا، ومثل هؤلاء الناس بحاجة إذن إلى رياضة جسمانية وترويض النفس لكبح جماح الشهوة الغريزية، وهذا هو الجانب الظاهر للصلاة؛ وأما باطنها فهو مشاهدة الحق بقلب نقى ونفس خلصت وتطهرت من الأمانى؛ فابن سينا إذن يشرع فى معالجة القول بأن الإنسان فى حالة الصلاة يكون فى مناجاة مع ربه، فهو يقول إن هذا يمكن أن يحدث خارج العالم المادى فحسب, وأولئك الذين يحصل لهم هذا الحال إنما يكونون فى حضرة اللَّه، ويشهدون اللَّه شهودًا عينيًا، فالصلاة إذن "مشاهدة" حقة وعبادة خالصة، أى أنها الحب الإلهى الحق والرؤية بعين القلب.

والصلاة فى الفصل الذى عقده الغزالى فى "الإحياء" عن "ربع العبادات" منزلة بين الطهارة والزكاة (كما هى الحال فى الفقه) ويجب أن نلاحظ أن الغزالى فى كلامه عن هذه العبادة قد فعل ما فعله فى العبادات الأخرى، فقد جهد كل الجهد فى وصف القواعد الشرعية وصفا دقيقا (طبعة القاهرة سنة ١٣٠٢ هـ, جـ ١، ص ١٩، وما بعدها) كما ارتفع بالصلاة من ناحية أخرى إلى مستوى أخلاقى صوفى يفى كل الوفاء بجميع مقتضيات الاستغراق فى الصلاة. وحسبنا بعد الذى كتبناه فى القسمين الثانى والثالث من هذه المادة أن نلم هنا فى إيجاز بالجانب الآخر من بحث الغزالى، فالمعانى الباطنية التى تبعث الحياة فى الصلاة فتبلغ بها مبلغ الكمال هى المعانى الستة التالية: حضور القلب، والتفهم، والتعظيم، والهيبة، والرجاء والحياء.

ولملاحظاته عن حضور القلب (ص ١٤٥) أهمية خاصة، فالفقهاء