للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

يدع للشك إليه سبيلا. يقول صدر الدين محمد بن إبراهيم الفيلسوف الشيرازى (١٠) فى كتابه (مفاتيح الغيب) فى المفتاح الرابع من مراتب الكشف: قد تكون المكاشفة على سبيل الملامسة، وهى بالاتصال بين النورين. كما قال ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: رأيت ربى فوضع كفه بين كتفى فوجدت بردها بين ثديىّ فعلمت ما فى السموات ثم تلا {وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ}. يقول صدر الدين: رآه صلى الله عليه وسلم بالتجلى والمكاشفة، ومنبع هذه المكاشفات هو القلب الإنسانى أى نفسه الناطقة المنورة بالعقل العملى المستعمل بحواسه الروحانية. وللنفس فى ذاتها عين وسمع كما أشير إليه: فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التى فى الصدور. وهذه الحواس الروحانية هى أصل هذه الحواس الجسمانية، فإذا ارتفع الحجاب بينها وبين هذه الخارجية يتحد الأصل فيشاهد بهذه الحواس ما يشاهد بها (أى فى المكاشفة بهذا المعنى يرى القلب كما ترى العين). والروح تشاهد جميع ذلك بذاتها، لأن هذه الحقائق يتحد فى مرتبتها عند كونها فى مقام العقل كل الموجودات. وهذه المكاشفة القلبية أعلى مراتب الكشف، ويسمى بالشهود الروحى. فهى بمثابة الشمس المنورة بثمرات مراتب الروح وأراضى الجسد، فهو بذاته أخذ من الله العليم الحكيم المبانى الحقيقية من غير واسطة على قدر استعداد المكاشف، انتهى. وبذلك يستقيم المعنى ونعرف سر قوله تعالى: {مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى} الوارد فى نظام آيات سورة النجم فى هذا المعنى.

أبو عبد الله الزنجانى


(١٠) وهو من كبار الحكماء وضعت فى شخصيته وآرائه رسالة.