للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

إسلامية تختلف قوة وضعفا، فقد اعتبر ذا أساس قائم بذاته وبخاصة فى المسائل التى لا تثير الريب والشكوك من الوجهة الدينية وتعتبر سنة


الإلهى ولهذا لا يناقش، فإن كان الاسناد على غير نظام كان النص تقريبا كذلك، ولا يمكن اعتباره موثوقا به " ولذا فأى امتحان له غير مفيد من هذا الارتباك الغريب؛ ومن ذلك الخلط بين الانساني - يعنى به السند- والإلهى -يريد به السنة المروية- نشأت كل الأغلاط فى السنة الاسلامية" ... ثم يطنب فى هذا المقام بما لا يتجاوز هذه المعانى.
وها هو ذا كاتب مادة "أصول" يقول هنا: "ومن المهم أن نلاحظ أنهم أخفوا نقدهم لمادة الحديث وراء نقدهم للإسناد نفسه"؛ وهو مخفف مما قاله كايتانى آنفا.
ثم جاز هذا المعنى إلى المشرق، فقال الأستاذ أحمد أمين، فى الجزء الثانى من ضحى الإسلام ص ١٣٠ - ١٣١، ما هو تسليم بجملة هذه الملاحظة؛ إذ يقول "وفى الحق أن المحدثين عنوا عناية تامة بالنقد الخارجى -يريد نقد السند- ولم يعنوا هذه العناية بالنقد الداخلى". ثم يقول "ولكنهم لم يقوسعوا كثيرأ فى النقد الداخلى، فلم يعرضوا لمتن الحديث: هل ينطبق على الواقع أولا؟ مثال ذلك ما رواه الترمذى عن أبى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "الكمأة" من المن وماؤها شفاء للعين، والعجوة من الجنة وهى شفاء من السم". فهل اتجهوا فى نقد الحديث إلى امتحان الكمأة؟ وهل فيها مادة تشفى العين؟ أو العجوة وهل فيها ترياق؟ " ثم يذكر أن أبا هريرة جرب عصير الكمأة مرة فشفى العين ويقول "ولكن هذا لا يكفى لصحة الحكم، فتجربة جزئية نفع فيها شئ مرة لا تكفى منطقيًا لاثبات الشئ فى ثبت الأدوية، إنما الطريقة أن تجرب مرارًا، وخير من ذلك أن تحلل لتعرف عناصرها، فإذا لم يكن التحليل فى ذلك العصر ممكنا فلتكن التجربة مع الاستقراء، فكان مثل هذا طريقًا لمعرفة صحة الحديث أو وضعه".
وكل هذا الذى) سلفناه موضع للمناقشة .. فنرى قول كايتاني " .. إذا كان الإسناد كامل النظام استبعد كل اشتباه " إذا كان الاسناد من الصحابى حتى مؤلف المجموع السنى كان نص السنة قسما من الوحى الالهى، ولذا لا يناقش إلخ"، فنرى هذه الأقوال وما يشبهها فى كلامه من تقرير دوران قوة الحديث مع قوة السند وجودًا وعدمًا تنقضها قاعدة مشهورة عند علماء أصول الرواية هى قولهم "وأعلم أنه لا تلازم بين الاسناد والمتن إذ قد يصح السند أو يحسن لاستجماع شروطه من الاتصال والعدالة والضبط، دون المتن لشذوذ أو علة. وقد لا يصح السند ويصح المتن من طريق آخر"- الأجهورى: حاشيته على شرح البيقونية ص ٢٦، ٢٧ وهى قاعدة مشهورة توجد فى المختصرات الصغيرة لمصطلح الحديث، ونقضها لعبارات كايتانى واضح لا يعوزه الشرح.
ثم نرى قوله أيضًا "ما من أحد شغل نفسه بنقد النص نفسه"، وقوله "إن المحدثين والنقاد المسلمين لا يجسرون على الاندفاع فى التحليل النقدى للسنة إلى ما وراء الاسناد، بل يمتنعون عن كل نقد للنص .. إلخ " فنرى أن أشياء كثيرة من عمل المحدثين تبطل هذا القول، منها.
١ - ما أسلفناه من صريح قولهم فى عدم ربط السند بالمتن، وذكر أشياء تؤثر على المتن بعد صحة السند كالشذوذ مثلا. وسنعود إليه بكلمة قريبًا.
٢ - إعطاؤهم الحديث ألقابًا اصطلاحية من صفات خاصة بالمتن دون السند، كتسميتهم الحديث "بالشاذ" أو "المقلوب" أو "المضطرب" أو "مدرج المتن" أو "المحرف" أو "المصحف" ونحو ذلك من أسماء لا مرد لها إلا اعتبارات فى المروى نفسه تبين فى علم الحديث دراية، ولا نطيل بشرحها.
٣ - وضعهم قواعد لنقد المتن، تصل من الحرية العقلية إلى حد بعيد، وتقوم حينا على اعتبارات عقلية صرفة، وحينا على معان أدبية فنية؛ وحينا تعتمد على مقررات شرعية.