للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الصالحين أحيانًا شاهدًا له قيمته كالسنة النبوية.

٥ - وكانت طلائع تأملاتهم فى علم الأصول فى أواخر هذا العصر أى فى بداية القرن الثانى الهجرى (الثامن الميلادى)، وقد حرك هذه التأملات ظهور علم خاص للحديث بجانب علم الفقه. وقد أنكر المحدثون على الفقهاء إدخالهم عنصر العقل الإنسانى فى


أ) فمن الاعتبارات العقلية الجريئة: أن كل خبر يناقض صريح العقل، حيث لا تأويل فهو باطل- على القارئ وابن حجر العسقلانى: شرح نخبة الفكر ص ١٢٦، ١٢٧ وحسب عشاق الحرية العقلية الصحيحة أن من المقررات الاسلامية إخضاع نص القرآن نفسه للعقل وقولهم "ولو تعارضت آية فى دليل عقلى فإن الدليل العقلى يكون حاكما عليها"- الآمدي: الأحكام، جـ ٣، ص ٢٢٦.
ب) ومن المعانى الفنية التى حكموها فى نقد السند، اعتبارهم ركاكة لفظ الحديث أو ركة معناه علامة على وضعه .. إلخ
جـ) ومن الاعتبارات الدينية التى تقوم على جعل المقررات الشرعية وحدة معقولة متماسكة متوافقة، أن عدوا من علامات وضع الحديث مخالفة القرآن أو السنة المتواترة أو الاجماع القطعى .. إلخ - النخبة وشرحها فى الموضع السابق.
٤ - أنهم نقدوا المتون الحديثية بالفعل نقدًا مطبقًا على الأصول النظرية السابقة التى قرروها. ومن حسن الاتفاق أن قد سقنا لذلك كله أمثلة من نقد المتن فى التعليقة الأولى من تعليقنا على هذه المادة، وهى الخاصة بما يروى من سبب نزول آية ٥٢ من سورة الحج.
أفيقول كايتانى بعد هذا لهؤلاء إنهم لم يجرءوا على الاندفاع فى النقد إلى ما وراء السند، أو يقول شاخت إنهم أخفوا نقدهم لمادة الحديث وراء نقدهم للسند. وأما الأستاذ أحمد أمين، فقد أغفل ما يستحق الملاحظة الهامة من اعتبارات، منها:
١ - أن علم الحديث علمان: علم الحديث دراية، وعلم الحديث رواية. والأول هو علم أصول الحديث.
وهو المراد عند الاطلاق، وهذا مع عنايته بالسند، لم يخل من نقد المتن على نحو ما بيناه فى مناقشة الغربيين آنفًا، والأستاذ قد ذكر فى أقسام الحديث باعتبار نقد السند، القسم المسمى بالشاذ، وقد ذكرناه قريبا ووعدنا بكلمة عنه؛ وليس الشاذ إلا ما روى مخالفًا لما رواه الثقات، فهو لقب جاء الحديث من النظر فى المروى ومقابلته بغيره، وليس كما عدد الأستاذ من مظاهر نقد السند.
ولئن كان أصحاب علم الحديث دراية قد أصابوا من نقد المتن. ووضعوا قواعده، فليس عندهم وحدهم يلتمس نقد المتن، ولا يكتفى فى الحكم على ذلك بعملهم، بل إن ذلك يكثر عند النظر فى محتويات الحديث ومشتملات متنه، وهذا عمل العلم الثانى من علوم الحديث، وهو علم الحديث رواية، الذى يصون عن الخطأ فى نقل ما أضيف إلى النبى - صلى الله عليه وسلم - ويبين كيفية الاقتداء به فى أفعاله، وهذا البحث تتعدد ميادينه فتتنوع، فتارة تكون فقهية، وطورًا تكون خلقية، وأن تكون اعتقادية، وحينا تكون فى تفسير القرآن، وما إلى ذلك من الدراسات الدينية، وأما الجانب الدنيوى العملى من الحديث فلنا إليه رجعة قريبة. وعند علماء هذه العلوم -ولو لم يعرفوا باسم المحدثين- يحكم على نصيب المتن من النقد عند المسلمين، فيقال بعد ذلك إنهم عنوا به عناية تامة أو لا.
ولعله بالنظر فى ذلك يتضح وجود روح نقدية قوية ظاهرة للمتن. ففى الفقهاه ترى المالكية مثلا- وهم ممن لزموا الحديث واشتهروا بالمحافظة فيه- يخالفون فى تقرير الأحكام الفقهية غير قليل مما يرويه الإمام مالك نفسه فى الموطأ، وقد أحصى ابن حزم من ذلك صفحات فى كتابه الأحكام (جـ ٢، ص ١٠٠ - ١١٤).