للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لم يلق محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] فى البداية معارضة ذات شأن، بل وصادفت دعوته تربة خصبة فى حالات ليست بالقليلة. وقد نفهم من الآية ٦٢ من سورة هود {قَالُوا يَاصَالِحُ قَدْ كُنْتَ فِينَا مَرْجُوًّا قَبْلَ هَذَا أَتَنْهَانَا أَنْ نَعْبُدَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا وَإِنَّنَا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ}، إنه أثار فى البداية توقعات كثيرة لدى المكيين. وقد كانت خديجة -باتفاق كافة الروايات- أول من آمن به، كما تذكر المصادر أن من أوائل أشياعه أبا بكر، والعبد المعتق زيد بن حارثة، والزبير بن العوام، وطلحة بن عبيد اللَّه وعبد الرحمن بن عوف، وسعد بن أبى وقاص، وابن عم محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] عليا بن أبى طالب. غير أن أكثر من اتبعه فى مكة كانوا أحداثا أو ممن لا يتمتعون بمركز اجتماعى مرموق، فى حين رفض اتباعه الأغنياء وذوو النفوذ، {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقَامًا وَأَحْسَنُ نَدِيًّا} سورة مريم آية ٧٣. {وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلًا} سورة المزمل آية ١١. {فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلَّا بَشَرًا مِثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ} سورة هود آية ٢٧. وقد زاد عزوف الأغنياء وذوى النفوذ عن رسالته حين أضحت العواقب الكاملة لأفكاره واضحة وهاجم صراحة وثنية أهل مكة. أما قبل ذلك فما كان أكثرهم يكترثون باجتماع المسلمين للعبادة أو بنشاط محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-].

وقد جاءت مهاجمة آلهة مكة تدريجيا. فقد ذكر أن الحرم المكى هو للَّه ربه الذى يعترف المكيون أيضا بأنه ربهم الأعلى {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ} سورة الزمر آية ٣٨. وسيحمى اللَّه بيته والحرم ويباركهما لو أذعنوا لإرادته، {إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا. . .} سورة النمل آية ٩١، {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ