للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

{الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا}.

* * *

لقد كان المسلمون على حق إذ اتخذوا من سنة هجرة محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] وأتباعه من موطنه بمكة إلى يثرب (المدينة، أو مدينة النبى)، بداية لتقويمهم. فقد كانت بداية مرحلة دامت عشر سنوات من حياة محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] أسس خلالها مجتمعا دينيا جديدا نما فى فترة قصيرة للغاية فأضحى نواة إحدى الحضارات الكبرى فى تاريخ العالم.

وقد وصل محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] إلى قباء (وهى من ضواحى المدينة) يوم ١٢ من ربيع الأول من العام الهجرى الأول (٢٤ سبتمبر عام ٦٢٢ م).

وقد فرضت المهام التى كانت تنتظره عبئا عظيما تطلب قدرات دبلوماسية وتنظيمية كبيرة، فأثبت أنه كفء لمجابهة التحدى من جميع الوجوه.

لم يكن بوسع محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] فى البداية أن يعتمد فى ثقة إلا على أولئك الذين هاجروا معه من مكة (وهم من سموا بالمهاجرين) وقد بات لهؤلاء الأتباع المخلصين -الذين بقوا على ولائهم لمحمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] وعلى إيمانهم بقضيته خلال الأعوام المكية العصيبة- مكانة خاصة بين المسلمين. وقد دخل الإسلام بعض أهل المدينة قبل وصول محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] إليها، غير أنهم كانوا يشكلون نسبة صغيرة من سكان يثرب. وقد اعتنق أهل المدينة الإسلام، بطيئا فى بادئ الأمر، ثم فى أعداد أكبر. وقد سمى أولئك الذين أسلموا منهم أثناء حياة محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] بالأنصار وباتت لهم أيضا مكانة خاصة داخل الأمة الإسلامية لا يعلوها غير مكانة المهاجرين. ولم يصادف محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] معارضة مباشرة من قبل القبائل العربية فى المدينة إلا من بضع عشائر مثل أوس اللات. غير أنه كان ثمة عدد من الناس لم يعارضوه صراحة، وإن لم يقبلوا العلاقات الجديدة إلا على مضض. وكان من بين هؤلاء فئة أكثر إزعاجا للمسلمين من غيرها، التفت حول رجل من الخزرج هو عبد اللَّه بن