للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أمر بحفر خندق -وخندق كلمة فارسية- حيال المناطق العارية من الدفاع فى المدينة ولا تذكر سيرة ابن هشام أن فكرة الخندق كانت فكرة سلمان الفارسى. غير أن ثمة روايات أخرى تقول إن سلمان اقترح على محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] حفر الخندق الذى يقال إنه من الاستراتيجيات العسكرية الفارسية. ورغم بساطة الخندق تبين أنه كان حائلًا كافيا دون عبور العدو قليل الخبرة بمثل هذه الفنون الحربية، مما أطال تدريجيا من أمر الحصار. وقد استغل محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] الوقت فى إجراء مفاوضات سرية مع قبيلة غطفان، وبذر بذكائه بذور الشقاق والشك بين صفوف أعدائه. وعندما ساءت الأحوال الجوية ألقى فى أيدى العدو المحاصر فشرع تدريجيا فى الانسحاب. وهكذا فشلت آخر محاولة لقريش لهزيمة محمد عن طريق استخدام القوة.

غير أن غزوة الخندق هذه التى تكاد تكون خالية من الأحداث المثيرة، كانت مأساة دموية بالنسبة لجماعة من سكان المدينة. ذلك أنه ما انسحب المكيون وحلفاؤهم حتى أعلن النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] الحرب على آخر قبيلة يهودية كبيرة فى المدينة، وهى قبيلة بنى قريظة، وبدأ فى حصار قلاعهم. وإذ أدرك اليهود حرج موقفهم، طمعوا فى النجاة على نحو نجاة بنى النضير وبنى قينقاع خاصة أن حلفاءهم من قبيلة الأوس القوية كانوا يحاولون جاهدين إقناع محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] بانتهاج سبيل الرحمة معهم. غير أنه فى هذه المرة لم يقبل التساهل معهم على نحو ما فعل مع القبيلتين الأخريين. ويقول ابن هشام إن كافة الرجال -وعددهم ما بين ستمائة وتسعمائة ضربت أعناقهم بناء على مشورة سعد بن معاذ، وهو من الأوس، وأن أموالهم قسمت بين المسلمين، وأسر نساؤهم وأطفالهم. اقترب النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] من إرساء دعائم أمة على أساس دينى محض. ومع ذلك فقد أذن لبعض اليهود من عشائر أخرى بالبقاء فى المدينة.

وقد كان فشل حصار أهل مكة للمدينة، واستئصال تلك القبيلة من اليهود التى كانت آخر قبائلهم الكبيرة