للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وبعد ذلك بقليل وصل عدد من رجال مكة ومعهم عثمان يعرضون حلا وسطا، هو أن يعود المسلمون أدراجهم هذه المرة دون عمرة، على أن يسمح لهم بأداء العمرة فى العام التالى. وقد قبل محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] العرض وأبرم مع قريش هدنة مدتها عشر سنوات واعدا بتسلمهما كافة المكيين من الرقيق والموالى الذين يلجأون إلى المدينة. وقد غضب بعض أتباعه عند سماعهم الشروط التى قبلها النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-]، إذ كانوا مصممين على أداء شعائر العمرة فى مكة ذلك العام. غير أنّ محمدًا [-صلى اللَّه عليه وسلم-] أمر فى هدوء بذبح الهدى الذى أحضروه معهم والذى كان المفروض أن يذبحوه أثناء العمرة فى مكة، ثم حلق رأسه وأجبر أتباعه المتذمرين بأن يحذوا حذوه وما أدركوا إلا بعد مدة أن محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] قام بحركة دبلوماسية باهرة بإبرامه صلح الحديبية، إذ جعل أهل مكة يعترفون به ندا لهم. وعقد معهم صلحا يبشر بالخير فى المستقبل، وكسب إعجاب الكثيرين فى مكة. وثمة ما يدل على أن عددا من قادة مكة كانوا قد غدوا على استعداد لهجر وثنيتهم إلى التوحيد.

وفى مستهل العام السابع الهجرى (٦٢٨ - ٦٢٩ م) فتح الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-] خيبر التى يسكنها اليهود. وكان هذا هو أول فتح حقيقى للمسلمين. وقد استن فى هذه المناسبة سنة صارت تطبق بعد ذلك على اليهود والنصارى القابلين للعيش تحت حكم المسلمين. فهو لم يقتل المهزومين ولم ينفهم وإنما فرض عليهم الجزية كل عام. وقد كانت هذه الغزوة التى تلاها ضم محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] المستعمرات اليهودية فى وادى القرى سببا فى إثراء أمة المسلمين لأول مرة {وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا فَعَجَّلَ لَكُمْ هَذِهِ وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنْكُمْ وَلِتَكُونَ آيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ وَيَهْدِيَكُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا (٢٠) وَأُخْرَى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْهَا قَدْ أَحَاطَ اللَّهُ بِهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا} سورة الفتح الآيات ٢٠، ٢١.

وتقول الروايات إن هذه هى الفترة -رغم الاختلاف حول تحديد التاريخ بدقة- التى أوفد فيها النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] الرسائل إلى المقوقس عظيم القبط فى