للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

"قدحت" بالقاف؛ أي: غرف ما فيها، ومنه المقدحة وهي المغرفة، قوله: "وفض" بالفاء المضمومة؛ أي: كسر خاتمها وهو الطين الذي على رأسها.

وحاصل المعنى: أشتري الخمر للندماء غالية من كل زق أدكن وخابية سوداء قد فض ختامها وأغترف الخمر منها.

الإعراب:

قوله: "أغلي": جملة من الفعل والفاعل، و "السباء" بالنصب مفعوله، والباء في "بكل" تتعلق بقوله: "أغلي"، ولكن الباء بمعنى من؛ أي: من كل أدكن؛ كذا قيل (١)، وفيه نظر.

والصواب: أن تكون الباء بمعنى في، ويكون متعلقها محذوفًا، والجملة محلها النصب على الحال، والتقدير: السباء حال كونها في كل أدكن، "وأدكن": مجرور في التقدير بالإضافة، وإنما منع الجر لامتناعه من الصرف للعلمية ووزن الفعل، وقوله: "عاتق" بالجر صفة "أدكن"، قوله: "أو جونة" [بالجر] (٢) عطف عليه، قوله: "قدحت" على صيغة المجهول صفة جونة وفُضَّ على صيغة المجهول أيضًا، و "ختامها": مفعول ناب عن الفاعل، والجملة عطف على قدحت.

الاستشهاد فيه:

[في قوله: "وفض ختامها" حيث] (٣) أن الواو لا تدل على الترتيب؛ وذلك لأن فض الخاتم سابق على القدح، فإن ختامها يفض ثم يقدح، وهذا مذهب جمهور العلماء من النحاة وغيرهم، وقد قيل: إنها تجيء للترتيب، وليس بصحيح، وقد نسب هذا القول إلى الفراء، وليس بصحيح -أيضًا- (٤).


(١) تأتي الباء بمعنى من أحيانًا كقول الله تعالى: ﴿عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ﴾ أي: منها، وأثبت هذا المعنى الكوفيون والأصمعي والفارصي والقتبي وابن مالك، ولكن هذا المعنى في البيت المذكور لا يتناسب، والأفضل أن تكون بمعنى: في هنا وهو الظرفية كقول الله تعالى: ﴿وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ﴾ أي: في بدر أو حالة كونكم في بدر. ينظر المغني (١٠٤، ١٠٥) والجنى الداني (٤٣).
(٢) ما بين المعقوفين سقط في (ب).
(٣) ما بين المعقوفين زيادة لبيان موضع الشاهد.
(٤) اختلف النحويون في معنى الواو هل تفيد الترتيب أو لا، على رأيين، الكوفيون على أنها تفيد الترتيب، واحتجوا بالفصيح من كتاب الله. قال المالقي: "وعند الكوفيين أنها تعطي الترتيب كالفاء عند البصريين، واحتجوا بقوله تعالى: ﴿إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالهَا (١) وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالهَا﴾ وبقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ﴾ ومعلوم أن إخراج الأثقال إنما هو بعد الزلزال، والسجود في الشرع لا يكون إلا بعد الركوع". رصف المباني للمالقي (٤١١)، وينظر: شرح الكافية للرضي (٢/ ٣٦٤)، ونسبه للكسائي في همع الهوامع (٢/ ١٢٩)، والمغني (٢/ ٣١). وأما البصريون فقالوا: إن الواو ليست للترتيب بل هي لمطق الجمع، واحتجوا بوجوه: أن الواو في =

<<  <  ج: ص:  >  >>