للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التحذير وإن كان حقه النصب؛ كما في قوله تعالى: ﴿نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا﴾ [الشمس: ١٣]، فنصب الناقة على التحذير، وكل محذر فهو منصوب، ولو رفع على إضمار هذه ناقة الله لجاز كما ذكرنا؛ كذا قاله الفراء ثم أنشد البيتين المذكورين (١)، وكأنه جعل الإغراء تحذيرًا من حيث المعن؛ لأن من أمرته بلزوم الأمر فقد حذرته من تركه. فافهم (٢).

الشاهد الخامس والتسعون بعد التسعمائة (٣)، (٤)

خَلِّ الطَّرِيقَ لِمَنْ يَبْنِي المَنَارَ بِهِ … وابْرُزْ بِبَرْزَةَ حَيْثُ اصْطَرَّكَ القَدَرُ

أقول: قائله هو جرير بن الخطفي (٥)، وهو من البسيط.

قوله: "المنار" بفتح الميم وتخفيف النون على وزن مفعل؛ من الاستنارة، وأراد به هاهنا حدود الأرض، و "البرزة": الأرض الواسعة (٦).

الإعراب:

قوله: "خلِّ": جملة من الفعل والفاعل، و "الطريق": مفعوله، واللام في "لمن": تتعلق بخل، و "يبني المنار": جملة من الفعل والفاعل والمفعول صلة للموصول، قوله: "به" أي: فيه، أي: في الطريق.

قوله: "وابرز": عطف على قوله: "خل"، قوله: "ببرزة" أي: في برزة، وقوله: "اضطرك القدر": جملة من الفعل والمفعول والفاعل وهو القدر.

والاستشهاد فيه:

في قوله: "خل الطريق" حيث أظهر فيه الفعل الناصب.


(١) قال الفراء: "نصبت الناقة على التحذير حذرهم إياها، وكل تحذير فهو نصب، ولو رفع على ضمير هذه ناقة الله فإن العرب قد ترفعه، وفيه معنى التحذير؛ ألا ترى أن العرب تقول: هذا العدو فاهربوا وفيه تحذير، وهذا الليل فارتحلوا فلو قرأ قارئ بالرفع كان مصيبًا، أنشدني بعضهم: (البيتين) فرفع، وفيه الأمر بلباس السلاح". ينظر معاني القرآن (٣/ ٢٦٨، ٢٦٩).
(٢) راجع شرح الأشموني بحاشية الصبان (٣/ ١٩٣).
(٣) أوضح المسالك (٤/ ٧٣).
(٤) البيت من بحر البسيط، من قصيدة طويلة لجرير يهجو بها عمر بن لجأ، وانظر بيت الشاهد في الكتاب (١/ ٢٥٤)، والتصريح (٢/ ١٩٥)، واللسان: "برز"، وابن يعيش (٢/ ٣٠)، وشرح الأشموني (٣/ ١٩١).
(٥) ينظر ديوانه (٢١١) ط. دار الكتب العلمية بشرح مهدي محمد ناصر، وأيضًا ديوانه دار المعارف (٢١١)، تحقيق: د. نعمان طه.
(٦) الصواب أن برزة هي أم عمر بن لجأ التميمي الذي هجاه جرير بهذه القصيدة، ودليل ذلك البيت الذي قبله هو قوله:
أنت ابن برزة منسوب إلى لجأ … عند العصارة والعيدان تعصر

<<  <  ج: ص:  >  >>