للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٣ - قوله: "وَبئْرِي ذُو حَفَرْتُ" أي: بئري التي حفرت والتي طويت، يقال: طويت البئر إذا بنيتها بالحجارة، وتسمى هذه "ذو" الطائية، فإن "طيئ" يقولون: هَذَا ذُو قَال ذَاكَ، ورأيت ذو قال ذاك، ومررت بذو قال ذاك، فتحتاج من الصلة ما يحتاج إليه الذي لكنها تقع في لغتهم للمذكر والمؤنث، ولهذا صلح أن يقول: بئري ذو حفرت، والبئر مؤنثة.

٤ - قوله: "فما هلِعت" بكسر اللام؛ من الهلع بفتح اللام، وهو أفحش الجزع، فإن قلت: كيف قال: [فما هلعت] (١). وقد قال فيما قبلهُ: وكدت أبكي، وهل الهلع إلا البكاء الذي يظهر فيه الخضوع والانقياد؟

قلتُ: البكاء الذي ذكر أنه شارفه أو كاد أن يشارفه، فإنه إنما كان ذلك منه على طريق الاستنكاف. فإذا كان كذلك فإنه لم يكن عن تخشع (٢).

قوله: "ولا ذعرت" من الذعر، وهو الخوف. والرواية الصحيحة: ولا دعوت أحدًا لنصرتي.

فإن قلتَ: فيه تناقض؛ لأنه قال أولًا: ولكني ظلمت … إلى آخره، وها هنا يقول: فما هلعت ولا ذعرت وبينهما تناقض.

قلتُ: لا تناقض؛ لأنه على اختلاف وقتين، وقصده من الكلام الأول بيان أنه ذل جانبه بعد أن كان عزيزًا، ونظيره أبيات فاطمة بنت الأحجم (٣) حين ضعف جانبها لموت مَن كان ينصرها، وهي أبيات حسنة تمثلت بها سيدتنا فاطمة (٤) - رضي اللَّه تعالى عنها - حين قبض رسول الله وهي (٥):

١ - قَدْ كُنتَ لي جَبَلًا ألُوَذُ بظِلِّهِ … فَتَرَكتَتي أَمشِي بأَجْرَدَ ضَاحِي

٢ - قَدْ كُنْتَ ذَات حَمِيَّة مَا عِشْتَ لي … أمْشِي البَرَارَ وكنتَ أَنْتَ جَنَاحِي

٣ - فاليومَ أخضَعُ للذلِيلِ وأتقِي … مِنْه وَأَدْفَعُ ظَالِمي بالرَّاحِ

٤ - وإذَا دَعَتْ قُمْيرية شَجَنًا لَهَا … لَيلًا عَلَى فَنَنٍ دَعَوْتُ صَبَاحِي


(١) ما بين المعقوفين سقط في (ب).
(٢) ينظر شرح التسهيل لابن مالك (١/ ٣٩٩).
(٣) من شعراء العرب في الجاهلية، وأبوه الأحجم الخزاعي من سادات العرب، انظر ترجمتها وأشعارها في معجم النساء الشاعرات (٢٠٢).
(٤) فاطمة الزهراء بنت رسول الله محمد بن عبد الله بن عبد المطلب، الهاشمية القرشية (ت ١١ هـ). الأعلام (٥/ ١٣٢).
(٥) المقطوعة من بحر الكامل لفاطمة بنت الأحجم، والأبيات في شرح ديوان الحماسه لأبي تمام التبريزي (٢/ ١٩٠)، الخزانة (٦/ ٣٩)، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي (٩٠٩)، ومعجم النساء الشاعرات (٢٠٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>