للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والمعنى: وما الزمان بأهله إلا كالدولاب تارة يرفع وتارة وتارة يضع، وما صاحب الحاجات في الدنيا إلا معذبًا في تحصيلها.

الإعراب:

قوله: "وما الدهر" أبطل عمل "ما" لدخول إلا، و "الدهر": مرفوع بالابتداء، وخبره محذوف تقديره: وما الدهر إلا يدور دوران المنجنون، وليس نصب منجنون بكلمة "ما" التي ترفع الاسم وتنصب الخبر، وإنما نصبه كنصب المصادر؛ كما قلنا، أو يكون منصوبًا بفعل محذوف تقديره: وما الدهر إلا يشبه منجنونًا، وكذلك يأتي الوجهان في قوله: "وما صاحب الحاجات إلا معذبًا" أي: إلا يعذب تعذيبًا، والمعذب يكون مصدرًا ميميًّا؛ كما في قوله تعالى: ﴿وَمَزَّقْنَاهُمْ كل مُمَزَّقٍ﴾ [سبا: ١٩]، أي: كل تمزيق، أو يكون التقدير: وما صاحب الحاجات إلا يشبه معذبًا، وزعم ابن بابشاذ أن أصله: إلا كمنجنون، ثم حذف الجار فانتصب المجرور (١)، ومن زعم أن كاف التشبيه لا تتعلق بشيء (٢)، فهذا التخريج عنده باطل؛ إذ كان حقه أن يرفع المجرور بعد حذفها؛ لأنه كان في محل الرفع على الخبرية لا في موضع نصب باستقرار مقدر، فإذا ذهب الجار ظهر ما كان للمحل (٣).

وروى المازني البيت:

أرى الدهر إلا منجنونًا بأهله

ثم حكم بزيادة لا، وتبعه ابن مالك [رحمه اللَّه تعالى] (٤) في ذلك (٥)، والمحفوظ: وما الدهر، ولئن سلمنا أنه: أرى الدهر إلا منجنونًا مثل ما رواه، فيؤول على أن "أرى" جواب لقسم مقدر، وحذفت لا كحذفها في: ﴿تَاللَّهِ تَفْتَؤُأ تَذْكُرُ يُوسُفَ﴾ [يوسف: ٨٥]، ودل على ذلك الاستثناء المفرغ (٦).


(١) ينظر شرح شواهد المغني للسيوطي (٢٢٠).
(٢) وهو رأي الأخفش وابن عصفور؛ حيث ذهبا إلى أن الكاف في نحو: زيد كعمر، لا تتعلق؛ لأن المتعلق إن كان (استقر) فالكاف لا تدل عليه، وإن كان فعلًا مناسبًا للكاف وهو أشبه فهو متعد بنفسه لا بالحرف. ينظر: المغني (٤٤٢).
(٣) اعتراض للعيني على من زعم أن كاف التشبيه لا تتعلق بشيء.
(٤) ما بين المعقوفين سقط في (ب).
(٥) ينظر رأي المازني في شرح شواهد المغني (٢٢٠)، وقال ابن مالك: "فالأولى أن يجعل منجنونًا ومعذبًا خبرين لما منصوبين بها؛ إلحاقًا بليس في نقض النفي كما ألحقت بها في عدم النقض". شرح التسهيل لابن مالك (١/ ٣٧٤).
(٦) ينظر شرح شواهد المغني للسيوطي (٢٢٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>