للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الإعراب:

قوله: "وقد جعلت" قد للتحقيق، وجعلت: من أفعال المقاربة يقتضي الاسم والخبر، وخبره يكون مضارعًا مجردًا من أن والتاء المتصل به اسمه، وقوله: "يثقلني": خبره، قوله: "ثوبي": بَدَل من اسم جعلت بدل اشتمال وليس هو فاعل يثقلني فافهم.

والتحقيق فيه أنَّه أقام السبب وهو الإثقال مقام المسبب وهو النهوض نهض الشارب الثمل.

والمعنى: وقد جعلت أنهض نهض الشارب الثمل لإثقال ثوبي إياي، فقد ذكر السبب كما في قوله تعالى: ﴿أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى﴾ [البقرة: ٢٨٢]، فاستشهاد الرجل والمرأتين ليس سببه ضلال إحداهما، بل التذكير لأجل أن ضلت فعومل الضلال معاملة التذكير لما كان سببه، قوله: "إذا": ظرف، وكلمة: "ما" مصدرية والتقدير: حين قيَامِي.

قوله: "فأنهض" عطف على قوله: جعلت، وفيه أنا مستكن فاعله، وقوله: "نهض الشارب" كلام إضافي منصوب على الإطلاق، وقوله: "الثمل" بالجر صفة للشارب.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "ثوبي" فإنه بدل من اسم جعلتُ كما ذكرنا، وذلك لأن من الشرط أن يكون "جعل" رافعًا لضمير الاسم، ويكون التقدير: وقد جعلت ثوبي يثقلني عند قيامي فافهم (١).

الشاهد السادس والأربعون بعد المائتين (٢)، (٣)

وأَسْقَيهِ حَتَّى كَادَ مما أبثُّهُ … تُكَلِّمُنِي أحْجَارُهُ ومَلَاعِبُهُ

أقول: قائله هو ذو الرمة غيلان بن عقبة، وهو من قصيدة طويلة من الطويل، وأولها هو قوله:


(١) من أخوات كاد أفعال الشروع وهي طفق وجعل وأنشأ وشرع وهب وعلق وغيرها، وخبر هذه الأفعال يكون مضارعًا مجردًا من أن المصدرية، ولا بد من عود ضمير من الخبر في هذا الباب إلى الاسم كما لا بد منه في غير هذا الباب، ولكن الضمير في غير باب (كاد) لا يشترط كونه فاعلًا، أما الضمير في هذا الباب فإن الفاعل لا يكون غيره إلا على قلة وما ورد لا يكون إلا مؤولًا بأنه هو. قال ابن مالك بعد أن ذكر البيت: فجاء فاعل الفعل المخبر به غير ضمير الاسم؛ لأن المعنى: وقد جعلت إذا ما قمت أثقل وأضعف فصح ذلك". ينظر شرح التسهيل لابن مالك (١/ ٣٩٨، ٣٩٩)، والمغني (٥٧٩).
(٢) أوضح المسالك لابن هشام (١/ ٣٠٧).
(٣) البيت من بحر الطويل من قصيدة طويلة لذي الرمة في الغزل ووصف الصحراء والناقة وغير ذلك (انظر ديوانه (٢/ ٨٢١) بتحقيق عبد القدوس أبو صالح، وانظر بيت الشاهد في الكتاب (٤/ ٥٩)، واللسان (سقى)، (شكا)، والممتع لابن عصفور (٨٧)، والهمع (١/ ١٣١)، والدرر (٢/ ١٥٥)، وشرح أبيات سيبويه (٢/ ٣٦٤)، والتصريح (١/ ٢٠٤)، وشرح شافية ابن الحاجب (١/ ٩١، ٩٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>