للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قوله: "وريحكم": كلام إضافي مبتدأ، وخبره: "من أي ريح الأعاصر"، وقد قيل: يجوز أن يجعل من بمعنى الذي، وقد حذف بعض صلته؛ كأنه قال: إنا نسينا الذين هم أنتم، والأول أوجه.

الاستشهاد فيه:

على أنه علق: "نسي" بالاستفهام حملًا على نقيض النسيان وهو العلم؛ كذا قاله ابن الناظم (١)، وليس الأمر كذلك بل النسيان من أفعال القلوب، وأفعال القلوب يجوز تعليقها بالاستفهام؛ كما في قوله تعالى: ﴿فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا﴾ [الكهف: ١٩]، وقوله تعالى: ﴿فَانْظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ﴾ [النمل: ٣٣]، و ﴿أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّةٍ﴾ [الأعراف: ١٨٤]، و ﴿قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ [يونس: ١٠١].

ثم البيت لا دليل فيه لاحتمال تقدير تمام الكلام عند قوله: "نسينا"، ثم يبتدئ "من أنتم" توكيدًا لمثله في أول البيت (٢)، ولا قاطع فيه -أيضًا- لاحتمال كون "ما" موصولة حذف العائد الذي هو صدر صلتها مع عدم طول الصلة كما ذكرناه فافهم (٣).

الشاهد الستون بعد الثلاثمائة (٤) , (٥)

أَبُو حَنَشٍ يُؤَرِّقُنِي وطَلْقٌ … وَعَمَّارٌ وآونَةً أُثَالا (٦)

أَرَاهُم رِفْقَتِي حتى إِذَا مَا … تَجَافَى الليلُ وانْخَزل انخزالا

إذَا أنَا كالذي يَجْرِيَ لِوَرْدٍ … إلى آلٍ فلم يُدْرِكْ بِلَالا

أقول: قائله هو عمرو بن أحمر الباهلي (٧)، وهي من قصيدة يذكر جماعة من قومه لحقوا


(١) ينظر شرح الألفية لابن الناظم (٧٨)، وقد ذكر شارح الديوان تعليقًا على هذا فقال: "البيت شاهد على استعمال أولى دون ألف ولام بمعنى الذين، الديوان (٧٣)، تحقيق د. يوسف بكار.
(٢) أجاز ابن الناظم تعليق نسى حملًا على ضده علم موافقة لابن مالك، قال ابن مالك: "وعلق نسى لأنه ضد علم والضد قد يحمل على الضد ثم ذكر البيت". شرح التسهيل لابن مالك (٢/ ٩٠).
(٣) ينظر الشاهد رقم (١١٤) من شواهد الموصول.
(٤) ابن الناظم (٧٩)، وتوضيح المقاصد (١/ ٣٨٧)، وشرح ابن عقيل (٢/ ٥٣).
(٥) الأبيات من بحر الوافر، من قصيدة لعمرو بن أحمر الباهلي يذكر فيها أن جماعة من أصحابه قد هجروه، ولكنه يراهم بالليل ويأنس بهم في الحلم حتى إذا استيقظ لم يجد شيئًا، ديوانه (١٢٩)، وانظر بيت الشاهد في: الكتاب لسيبويه (٢/ ٢٧٠)، والحماسة البصرية (١/ ٣٦٢)، والإنصاف (١٩٦)، وتخليص الشواهد (٤/ ٥٥)، والخصائص (٢/ ٣٧٨)، وشرح التسهيل لابن مالك (٢/ ٨٣)، وشرح أبيات سيبويه (١/ ٤٨٧).
(٦) في (أ) يؤرقنا.
(٧) شاعر مخضرم أدرك الجاهلية والإسلام، وأسلم وغزا مغازي في الروم، ونزل في الشام، وتوفي في عهد عثمان بن عفان نحو سنة (٦٥ هـ)، وقد عاش نحو (٩٠) عامًا. الأعلام للزركلي (٥/ ٧٢)، والخزانة (٣/ ٣٨) بولاق.

<<  <  ج: ص:  >  >>