للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقال له غلامه- ويقال له: قصير وكان ماردًا فمنعه من ذلك، وقال له: احذرها، ولم يسمع منه، فآخر الأمر مشى إليها حتى دخل عليها فقامت فكشفت عن فرجها، وقالت: أداة عروس ترى، فقال: أرى أداة فاجرة غدور بظراء.

قالت: ما ذاك من عدم مواس، ولا من قلة أواس، ولكن شيمة أناس، وأدنت له نطعًا، فقطعت رواهشه فسالت دمًا حتى مات.

وقالوا: إنما فعلت به ذلك؛ لأنه قتل أباها، وخرج قصير حتى أتى عمرًا ابن أخت جذيمة فقال له: إن خالك قتل فاطلب بثأره، قال: وكيف؟ قال: اقطع أنفي وأذني وخلِّ عني فسوف ترى، فقال له عمرو: ما جزاؤك هذا عنا؟ فخرج من عنده وقطع أنفه وأذنه ثم ربطهما وخرج حتى أتاها فدخل عليها فأنكرت شأنه فقالت: ما الذي أرى بك؟ فقال: صنع بي في سبيلك؛ زعم عمرو أني سقت خاله إليك، قالت: بئس الجزاء جزاؤك وقد بلغني نصحك لهم، فهل عندك مناصحة لنا وأمانة؟ فقال: نعم وكان مجانبًا للكذب، فأقام عندها حتى برئ وصلح، فأرسلته إِلى العراق وأعطته دنانير فقالت: اشتر في ما يصلح من بزوز العراق وأد فيه الأمانة فأتى عمرًا، فقال: هذا مال فأضعفه لي ففعل ثم ابتاع متاعًا رخيصًا فأتاها به فأعجبها ذلك فأعطته ضعف ذلك المال وأعطته مفاتيح الخزائن وقالت: خذ ما أحببت، فاحتمل ما أحب من مالها، فأتى عمرًا وفرق الرسل في مملكته سرّا وأمر الناس بصنعة السلاح والتأهب، ثم جعل آخر أحمالها أشراجًا (١) من داخل ثم حمل على كل بعير رجلين معهما سلاحهما فجعل يسير النهار حتى إذا أتى الليل اعتزل الطريق فلم يزل كذلك حتى إذا شارف المدينة أمرهم فلبسوا الحديد [ودخلوا] (٢) أشراجهم ليلًا، وعرف أنه مصبحها، فلما أصبح عندها دخل عليها وسلم وقال: هذه العير تأتيك الساعة بم لم يأتك قط، فصعدت فوق قصرها وجعلت تنظر إلى العير تدخل المدينة فأنكرت ذلك وجعلت تقول:

ما لِلْجَمَالِ ............ … ........................ إلى آخره

ولما توافت العير في المدينة حلوا أشراجهم وخرجوا في الحديد، وأتى قصير لعمرو، فأقامه على سرب كان لها كانت إذا خشيت خرجت منه، فأقبلت لتخرج من السرب فأتاها عمرو فجعلت تمص خاتمها وفيه سم، وتقول: بيدي لا بيد عمرو وفارقت الدنيا (٣)، ويقال: إنها قالت حين رأت جمالًا مالت إلى ناحية السرب وكان عليها رجال: عَسَى الغُوَيرُ أَبْؤُسا (٤)، فأرسلتها


(١) الأشراج: جمع شريجة، وفي اللسان مادة: "شرج" الشريجة: شيء يُنْسَج من سَعَف النخل يُحمل فيه البِطيخ ونحوه.
(٢) ما بين المعقوفين سقط في (أ).
(٣) ينظر الأغاني (١٥/ ٣١٠).
(٤) أي: فررت من بأس واحد فعسى أن أقع في أبؤس، مجمع الأمثال (٢/ ١٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>